نبضات منعشة".. تكنولوجيا تساعد الصم على "الإحساس" بالموسيقى الحية

عبر المشاهدة من بعيد لا يمكن لكل الأشخاص الإحساس بالطريقة عينها بوقع طنين الباس [الجهير الصاخب] أو قرع الطبول وغيرها من الارتجاجات الصادرة من حفلة ضمن مهرجان صاخب، فالارتجاجات المتوالدة من مكبرات الصوت يمكنها الوصول لمسافة معينة، وفي حال كان هناك أشخاص في الجمهور يعانون الصمم أو مشكلات في السمع، فإن إحساسهم بالأصوات سيختلف كثيراً عن إحساس أكثرية الحاضرين حولهم، فالمرء "يكون في حفل في ناد أو صالة سهر أو مهرجان، فيما تكون مكبرات الصوت دائماً بعيدة"، يخبرني الـ "دي جي" (منسق الموسيقى) الأصم جون ماكديفيت بمهرجان "مايتي هوبلا" Mighty Hoopla في بريكستون، ويضيف "الشخص الأصم يعتمد على مكبر الصوت لتلقي الارتجاجات".

لكن اليوم ثمة اختراع تكنولوجي جديد دعمته شركة "فودافون" Vodafone يمكنه عما قريب أن يتيح تجربة مختلفة في هذا المضمار.

التكنولوجيا الجديدة عبارة عن بذلة لمسية تتضمن 24 نقطة ارتجاج (اهتزاز) موزعة في أنحاء الجسم، من بينها نقاط مثبتة عند المعصمين والكاحلين، وتبدو تلك النقاط الارتجاجية قادرة على منح الصم وثقيلي السمع خاصية الإحساس بالموسيقى توافقاً مع رنينها على المسرح.

وفيما تعد التجارب السمعية المستندة إلى الارتجاجات (الصوتية) تجارب معهودة وليست بجديدة بالنسبة للصم، إلا أن هذه "البذلة" تعد بإتاحة تجربة فريدة للصم، وذلك عبر تضمنها منحيين تكنولوجيين متضافرين معاً.

وتشرح داني فالكوفا من شركة "يونيت9" (UNIT9) للإنتاج، "المنحى الأول يتمثل بأخذه الموسيقى مباشرة من المؤدي (أو المصدر) في وقتها الفعلي، وتحويلها إلى ارتجاجات موزعة في أنحاء جسمك كي تخلق إحساساً بمحيط صوتي ارتجاجي، أما المنحى الثاني من التكنولوجيا فيعتبر الأول من نوعه في العالم، إذ بفضل استخدام سرعة شبكة فودافون الفائقة من الجيل الخامس ’جي 5‘، يمكننا أخذ التسجيلات من وسط الحشد وتحويلها إلى معطيات (داتا)، ثم نعتمد أحدث التقنيات الآلية لتحويل ما تتضمنه أصوات الحشد إلى ارتجاجات وأحاسيس على الجسم".

وبالطريقة عينها التي تقوم فيها البذلة بترجمة صوت الحشد إلى ارتجاجات، تستخدم فالكوفا تشبيهاً مماثلاً لزيادة الإحساس المستقبلي الذي تتيحه التكنولوجيا، وتشرح قائلة "أخذنا كافة الطرق التي قد يتفاعل بها الحشد وجمعناها في حالات مختلفة، أردنا في كافة هذه الحالات ترجمة كل رد فعل محتملة من قبل الحشد إلى شيء يشبه المصفوفة [ماتريكس]، جانب منه يشكل الطاقة والجانب الآخر يشكل الكثافة".

ويدرك الرواد الموسميون للحفلات الموسيقية الإحساس الذي تتركه الأصوات ذات الترددات المنخفضة التي تضرب على الصدر خلال الحفلة الأدائية، لكن معظم الأحاسيس لن تكون مركزة هناك بمساعدة البذلة اللمسية، والتي تبقى فعالة طوال 10 ساعات بفضل البطارية، فالموضع الذي سيشعر فيه جمهور الصم وضعاف السمع بالموسيقى يبقى إلى حد كبير قراراً فنياً.

إلى هذا، وفيما كنت أرتدي البذلة وألتحق بصم آخرين في الجمهور قبيل عرض "جيسي وير" يوم السبت الماضي ضمن مهرجان "مايتي هوبلا"، شرح "مؤلف الارتجاجات" سي تيو تفاصيل تتعلق بهذه الهندسة الصوتية على المسرح الهندسة التي ستوائم الأصوات الموسيقية مع الذبذبات في الجهاز المبتكر، وقد جرى إعلامنا في ما خص أداء وير بأن أجهزة الاستشعار الموجودة على معاصم وأكتاف مرتدي البذلة سوف تقوم بنسخ صوت تصفيق الجمهور، أما أصوات الحناجر والطبول فسيشعر بها حول الضلوع وعلى الكواحل تباعاً، وهذا الأمر يعمل جيداً في حال المقطوعات الصاخبة مثل "وايلدست مومنتس" Wildest Moments، فيما أغنيات وير الهادئة ستترك المرء الأصم يتساءل إن كانت للبذلة تعمل فعلاً.

وتيو، مرتدياً قبعة "سناب باك" زاهية الألوان في ذلك السبت المشمس، حادثني بحماسة لافتة عن الجهاز المبتكر، معلناً استعداده لكشف مزيد عن هذه التكنولوجيا بعد اختبارها إن تطلب الأمر، وقد تكررت تلك الحماسة في أوساط الفنانين أنفسهم، إذ أن وير التي بدت مشرقة بمكياج ظلال العيون بنفسجي اللون، خصتنا بابتسامة عريضة وهي تعبر عن تأييدها لإتاحة تلك التقنية أمام الجمهور.

المؤسسات الخيرية للعناية بأصحاب الإعاقة عبرت من جهتها عن حماستها لما تطرحه هذه التكنولوجيا من احتمالات.

في السياق، وبرسالة إلكترونية كتب جاكوب آدامز من منظمة "آتيتيود إز إيفري ثينغ" Attitude is Everything للموسيقى الحية، فقال "الأجهزة اللمسية كهذه تفتح الأفق لاحتمالات جديدة تؤدي تعزيز قدرات الصم وذوي الصعوبات في السمع للتمتع بالعروض، وغالباً ما نسمع من هؤلاء الأشخاص بأن صلتهم بالعروض لا تجعلهم دائماً يشعرون بأنهم جزء من الجمهور، لذا فإننا مهتمين جداً بهكذا جهاز قد يكون قادراً على ضم تفاعلات الجمهور".

لقد شكل مهرجان "مايتي هوبلا" نقطة الإعلان عن هذه التكنولوجيا للمرة الأولى، بيد أن الفريق الذي يقف وراء تصميم واختراع البذلة يأمل بأن يشهد اختراعهم تطورات مع مرور الوقت. وإزاء حماسة الفنانين والمنظمات الخيرية للتكنولوجيا المبتكرة ودعمهم لها، يشعر الصم من جمهور وعشاق الموسيقى بتفاؤل متعدد النواحي تجاه مستقبل الحفلات والمهرجانات الاندماجية.