تفاقم أوضاع السودان مع استمرار توقف الاتصالات واحتدام المعارك بأم درمان والفاشر

YNP ـ بات الوضع في السودان بغاية التعقيد بسبب تردي الأوضاع في شتى جوانب الحياة خاصة من ناحية تفاقم أزمة نقص الغذاء بشكل كبير في مناطق الصراع وإيواء النازحين بعدد من الولايات، مما أدى إلى وفيات نتيجة الجوع، وازداد الأمر سوءاً مع تعطل خدمة الاتصالات في كافة أنحاء البلاد لليوم الرابع على التوالي لأن غالبية المواطنين يعتمدون على التطبيقات البنكية لشراء احتياجاتهم.

يأتي ذلك في وقت تشهد المعارك بين الجيش وقوات "الدعم السريع" بالعاصمة الخرطوم وخارجها تصاعداً عنيفاً في ظل مخاوف من ارتكاب انتهاكات واسعة بحق المدنيين من قبل طرفي النزاع في أعقاب توقف شبكات الاتصال والإنترنت.

وتواصلت أمس الجمعة العمليات العسكرية بين الجانبين المتحاربين، حيث تبادلا القصف المدفعي من منصاتهما المختلفة بمدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري، وبحسب مصادر عسكرية فإن "الدعم السريع" استمرت في قصفها لمحيط القيادة العامة للجيش بوسط العاصمة وسلاح الإشارة ببحري، بينما يقوم الجيش ببسط سيطرته على منطقة أم درمان القديمة بعد أن تقدم في عدة محاور بهدف فك الحصار على منطقة سلاح المهندسين الواقع جنوب المدينة.

كما شن الطيران الحربي التابع للجيش غارات جوية عنيفة على مناطق تجمع "الدعم السريع"، شرق مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وسمع دوي الانفجارات وأصوات المضادات الأرضية، مما أثار موجة من الخوف والهلع وسط المواطنين.

وقال الجيش السوداني في بيان على "فيسبوك" إن الفرقة السادسة بالفاشر كبدت عناصر الدعم السريع خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد إثر محاولة تسلل في الاتجاه الشمالي الشرقي للمدينة.

وأكد الجيش في بيانه أن الفرقة السادسة نصبت كميناً محكماً لعناصر "الدعم السريع" و"تمكنت من دحرها وتكبيدها عدداً كبيراً من القتلى والجرحى، كما دمرت عدداً من المركبات القتالية واستلمت أخرى بكامل تسليحها وذخائرها، كذلك تمت مطاردة الميليشيا المدحورة إلى خارج المدينة ورفع القائد الميداني تمام النصر إلى قائد الفرقة اللواء الركن محمد أحمد الخضر".

وشهدت الفاشر قبل أسبوع معارك ضارية بين الجيش و"الدعم السريع" في أعقاب مقتل أحد أفراد الأخيرة داخل المدينة، مما دفع هذه القوات لمهاجمة المدينة من اتجاهي الشرق والشمال، حيث أدى الهجوم إلى نزوح أعداد كبيرة من المواطنين من الأحياء الشمالية والشرقية إلى الأحياء الجنوبية.

في الأثناء، أكدت الحكومة السودانية التزامها بالتفاوض مع "الدعم السريع"، في منبر جدة، الذي ترعاه السعودية والولايات المتحدة، رافضة نقل التفاوض إلى أي مكان آخر، لكنها قالت إن "أي تفاوض مع أي جهة إقليمية أو دولية لن يتم إلا عبر منبر جدة".

وذكر المتحدث باسم الحكومة، وزير الإعلام جرهام عبد القادر، عقب اجتماع مجلسي السيادة والوزراء أن منبر جدة هو الوحيد الذي يتم التفاوض فيه بشأن الحرب.

وأكد عبد القادر أن أي ادعاءات أخرى حول التفاوض سواء عبر الأجهزة الإلكترونية أو في أي مكان آخر، هي معلومات مغلوطة ولا أساس لها من الصحة.

أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية، حسن بشير محمد نور، قال أن "الوضع في السودان يتعقد ليس يوماً بعد يوم بل ساعة بعد ساعة، فالحرب تلقي بظلالها القاتمة يومياً على حياة المواطنين". وأضاف أن "آخر المستجدات استخدام سلاح الاتصالات في الحرب، وهو أمر متوقع لأنها حرب غاشمة يستخدم فيها أي سلاح متاح، بيد أن طرفي الحرب لا يعبئان بما يصيب المواطنين والمؤسسات العامة والبنى التحتية من ضرر، ولا بالأوضاع المتردية التي تسير كل لحظة إلى الأسوأ، فالآن هناك تهديد جدي وخطير للغاية بالمجاعة، حيث يموت أعداد من الناس بالجوع بالمعنى الحرفي، كما أن توقف الاتصالات يؤدي إلى ضمور الحصول على الموارد النقدية من المصارف والتطبيقات البنكية، في وقت يعتمد الكثير من المواطنين سواء في داخل السودان أو خارجه على التحويلات البنكية كوسيلة أساسية للعيش، بالتالي فإن الوضع في غاية من السوء".

قوقياً، كشف تقرير صادر عن شبكة نساء القرن الأفريقي "صيحة" عن "انتهاكات مروعة ارتكبتها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، بعد اجتياحها في 18 ديسمبر حيث مُنع المدنيين من مغادرة الولاية وتعرضوا للابتزاز والإساءة والعنف الجسدي الذي وصل درجة القتل".

وجمعت الشبكة إفادات من القرى التي تعرضت لاعتداءات شملت القتل والنهب والعنف الجنسي، حيث تم استهداف مراكز بحوث ومرافق تخزين الحبوب وعدد من المدارس والمستشفيات والمرافق الحكومية والبنوك.

وأشار التقرير إلى مقتل 25 مدنياً على يد قوات الدعم السريع، بينما قتل 10 آخرون بقصف الطيران الحربي التابع للجيش في منطقة الحاج عبد الله. كما تم تسجيل حالات اختفاء لنحو 3 سيدات على الأقل، لافتاً إلى تعرض حوالى 25 فتاة للاغتصاب والضرب والقتل في بعض الأحيان.

وطالبت الشبكة بتنفيذ فوري لإطار متكامل لحماية المدنيين يستجيب ويتضمن احتياجات النساء والفتيات ويضمن الوصول من دون عوائق إلى المساعدات الإنسانية، على أن يتضمن الإطار الوقف الفوري للأعمال العدائية، والإشراف على تنفيذ ذلك برقابة دولية على الأرض، فضلاً عن إنشاء مناطق آمنة للمدنيين.

وأضافت "نريد أن يتم ذلك بالتزامن مع عملية سياسية واسعة النطاق وشاملة بقيادة مدنية يتحقق فيها للنساء أدوار قيادية وفعالة". 

كما أوصى التقرير بإنشاء محكمة جنائية دولية على غرار المحكمة المنشأة للنظر في جرائم الإبادة الجماعية في رواندا، وذلك للنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلال الحرب في السودان.

ونوه إلى ضرورة الضغط على القوات المسلحة السودانية للجلوس إلى طاولة المفاوضات من خلال عملية سياسية جادة وقابلة للاستمرار بمشاركة قوى المجتمع المدني السوداني بما في ذلك النساء والشباب على أن تضمن تلك العملية بشكل واضح عدم مشاركة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في أي من هياكل الحكم في السودان.

دولياً، حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" من احتمال معاناة 700 ألف طفل في السودان من أخطر صور سوء التغذية هذا العام، مع احتمال وفاة الآلاف.

وأشار المتحدث باسم "يونيسيف" جيمس إلدر إلى إن المنظمة لن تتمكن من علاج أكثر من 300 ألف من هؤلاء من دون تحسين إمكانية الوصول ومن دون دعم إضافي، وفي هذه الحالة، سيموت عشرات الآلاف على الأرجح.

وتوقع أن يعاني 3.5 مليون طفل من سوء تغذية حاد وشديد يجعل الطفل أكثر عرضة للوفاة بنحو 10 أمثال بسبب أمراض مثل الكوليرا والملاريا. وبيّن أنه على رغم من حجم الاحتياجات، لم يتسن الحصول على التمويل الذي سعت إليه "يونيسيف" في 2023 لنحو 3 أرباع الأطفال في السودان.

ودعت الأمم المتحدة الدول إلى عدم نسيان المدنيين الذين يعانون من الحرب في السودان، وحثّت على جمع 4.1 مليار دولار لتلبية احتياجاتهم الإنسانية، ودعم أولئك الذين فروا إلى دول مجاورة.

وتوفر "يونيسيف" للسودان أغذية علاجية جاهزة للاستخدام، وهي مواد غذائية منقذة للحياة تعالج الهزال الشديد لدى الأطفال دون سن الخامسة، حاثة إلى جمع 840 مليون دولار لمساعدة ما يزيد قليلاً عن 7.5 مليون طفل في السودان هذا العام، لكن المتحدث باسم "يونيسيف" أبدى أسفه لعدم كفاية الأموال التي تم جمعها في النداءات السابقة.

ويحتاج نصف سكان السودان، أي نحو 25 مليون شخص، إلى المساعدة الإنسانية والحماية، في حين فرّ أكثر من 1.5 مليون شخص إلى أفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.

ودمرت الحرب المستمرة منذ 10 أشهر في البنية التحتية للبلاد، وأثارت تحذيرات من المجاعة ودفعت ملايين للنزوح داخل البلاد وخارجها.