وثائقي "أرنولد" على نتفليكس.. وصفة شوارزنيغر إلى عالم النجاح

كثر منا ترعرعوا على أفلام أرنولد شوارزنيغر، خصوصاً بدور الإنسان-الآلي الخارق في سلسلة "ترميناتور" Terminator. ولا أخفي أنه لعقود من الزمن بقيت صورة شوارزنيغر في رأسي لا تتعدى كونه ذاك البطل الخارق الذي كنا نتجادل مع أقراني إذا كان أقوى الأقوياء بين أبطال هوليوود الآخرين أمثال سيلفستر ستالون وجان كلود فان دام.

في سلسلة وثائقي جديد تعرضه "نتفليكس" من ثلاث حلقات بعنوان "أرنولد" Arnold يعود شوارزنيغر بطلاً من جديد بشكل مختلف تماماً، إذ إننا أمام عملية خلع "قناع" تيرميناتور واستكشاف الإنسان الحقيقي الذي تحته. ومما نراه فعلياً أن هناك الكثير لدى أرنولد ليقوله عن مسيرته الاستثنائية والتي تعكس مراحلها الثلاث الأساسية حلقات الوثائقي نفسه: "لاعب كمال الأجسام"، "الممثل"، "السياسي".

بهذه الكلمات يختصر أرنولد أحد مبادئه. ابن شرطي نمسوي، عانى والده إحباط خسارة الحرب العالمية الثانية، يقرر أن يجعل جسده تذكرة عبور نحو العالمية والنجومية. والأمر بالنسبة إليه ليس مجرد حلم، بل رؤية وتصميم وعزيمة صلبة يقول عنها "أردت نحت جسدي بحسب إرادتي". لقد وضع شوارزنيغر نصب عينيه فوراً أن يكون بين الأفضل في كمال الأجسام ويحقق لقبي "سيد الكون" و"مستر أولمبيا".

طبعاً مقابل قصة نجاح عظيمة هناك الآلاف من قصص الفشل لكننا نرى بأثر رجعي أن أرنولد كان في مسيرة حياته كما لو يمشي في لعبة فيديو، قافزاً من مرحلة إلى أخرى بأقل أضرار ممكنة. ومما يقوله في هذا الصدد "طوال حياتي كانت لديَّ هذه المهارة بأن أرى الأمور بوضوح أمامي وما دمت أراها فهي قابلة للتحقيق".

ويسرد أرنولد مدى افتتانه بلاعب كمال الأجسام البريطاني ريج بارك عندما شاهده في أحد أفلامه من سلسلة "هرقل"، وهي لحظة يمكن اعتبارها أدت إلى "تأثير الدومينو" في حياته لما أثارته من أحداث تسلسلية لاحقة.

ومن وقتها وضع الفتى النمسوي نصب عينيه بناء عضلاته وتحقيق الإنجازات والوصول إلى النجومية. ولم تمر سنوات قليلة حتى قابل أرنولد مثله الأعلى هذا في لندن خلال مسابقة كمال الأجسام "سيد الكون"، لا بل أصبحا بعد فوزه باللقب من الأصدقاء المقربين، يا له من حلم تحقق سريعاً!

تبدو مسيرة أرنولد شوارزنيغر الذي انتقل إلى الولايات المتحدة بعد مشاركته الأولى في مسابقة "مستر أولمبيا" عام 1969، واكتساحه اللقب لفترة عقد تقريباً (على رغم عدم فوزه في مشاركته الأولى)، ثم انتقاله إلى عالم التمثيل فعالم السياسة حاكماً لكاليفورنيا، كأنها تجسيد مثالي "للحلم الأميركي"، مهاجر من أوروبا الوسطى فتحت أميركا المجال له فتسلق كل الفرص الممكنة. وهو وإن كان يرى عدم إمكانية تحقيق إنجازه هذا إلا في أميركا، لكن شوارزنيغر يرد على الذين يعتبرونه عصامياً بالقول، "أنا لست عصامياً، لم يكن لديَّ سوى عزيمتي ورؤيتي، لم أنجز شيئاً وحدي، فعلت ذلك بمساعدة الناس المحيطين بي".

وبخلاف أقسام حلقات الوثائقي الثلاث الزمنية (لاعب كمال الأجسام، الممثل، السياسي)، يمكن إضافة بعد آخر يشمل بشكل أساسي علاقاته بأصدقائه وأهله.

الكثير من وقائع حياة شوارزنيغر، تذكرنا فعلاً بأهمية ليس فقط القدرات الذاتية بل أيضاً في الوجود في المكان والزمان الصحيحين وفي امتلاك أصدقاء مميزين. ويقول أرنولد عن صداقته مع أعز رفاقه فرانكو كولومبو، الذي تعرف إليه خلال إقامته القصيرة في ميونيخ أواخر الستينيات ثم ساعده على الانتقال إلى الولايات المتحدة، "أتمنى أن يكون لدى كل واحد أصدقاء من هذه الطينة وإلا فإنك تفتقد الكثير".

وفي علاقته مع أهله، يبدو جلياً توق أرنولد الانفصال عن عائلته فور إنهائه المدرسة وانتقاله لتحقيق أحلامه، خصوصاً في ظل ارتياب أبيه من "هذا النمسوي الذي يرفع الأثقال" إلى قلق أمه من تعليقه "صور رجال بسراويل داخلية على الجدار فوق سريره بدلاً من صور فتيات"، لكن كل هذا زاد من تصميمه كما يقول.

ربما يقفز الوثائقي عن بعض الأحداث في حياة أرنولد أو يختصر بعضها الآخر إلا أنه يمنح المرء جرعة تفاؤل واندفاع وخصوصاً جيل الشباب، كي يرسموا طريقهم وطموحاتهم ويضعوها في مرمى أيديهم، كما فعل يوماً ذاك الفتى النمسوي من القرية الجبلية.