أفضل 15 فيلما عالميا وعربيا في 2023؟

YNP ـ شهد عام 2023 الذي يطوي غداً صفحته الأخيرة حركة سينمائية فريدة وغزيرة، وعرض كثير من الأفلام الجديدة في المهرجانات العالمية والعربية التي باتت تشكل الموسم المنتظر كل عام لدى أهل السينما والأعلام والجمهور .

أفلام حملت مفاجآت عدة سواء في الإخراج والتمثيل والتقنيات والقضايا التي عالجتها، وهنا لائحة بـ 15 فيلماً تميزت خلال 2023 وفقا لنقاد سينمائيين عالميين وعرب:

"الجانحون" لرودريغو مورينو

من أجمل ما قدمه مهرجان "كان" السينمائي في دورته الأخيرة حكاية موظف أرجنتيني يخطط لسرقة مبلغ ضخم من المال من المصرف الذي يعمل فيه، وهدفه تأمين ما يلزمه من فلوس كي لا يحتاج إلى العمل بعد الآن.

فهو يأخذ بالضبط القيمة التي كانت ستدخل إلى جيبه لو استمر في العمل حتى نهاية الخدمة، ثم يورط صديقه وزميله في العمل عبر تسليمه الثروة ليحتفظ بها، وذلك حتى خروجه من السجن، على أن يتقاسمها معه.

لا تتوقعوا تسلسل أحداث تقليدي في هذا العمل، فمورينو لديه كثير من المفاجآت والأفكار، وهي بدورها تخرج عن المألوف.

وعملية السرقة ليست سوى بداية لكن الخاتمة مؤجلة ولن نعرف أين تنتهي الأشياء حتى عندما يشرف الفيلم على نهايته، وهذا يمده بأهمية ويحوله إلى عمل ليس للحرية فيه حدود تقف عندها.

"وحش الأدغال" لباتريك شيحا

بطل الفيلم يقول بأنه ينتظر حدثاً عظيماً سيغير مجرى حياته، لا بل سيتغير كل شيء من حوله بعده، وسيسمو بهذا التغيير.

وهذا الفيلم العبثي المجنون المقتبس بتصرف شديد من رواية لهنري جيمس تبدأ أحداثه عام 1979 وتنتهي عام 2004، وينتقل بنا من الديسكو إلى التكنو، ذلك أنه يدور داخل ملهى ليلي، ومن المستحيل تلخيص ما نراه لا بكلمة ولا بألف، فهي تجربة سينمائية تُعاش بالحواس والقلب والعاطفة، ويضعنا المخرج أمام تجربة مغناطيسية عن فصل من حياة شخصان يرفعهما إلى أرفع مكانة.

وكل شيء يتغير من حولهما ويمضي إلا هما، فنحن إزاء فيلم عن ترقب اللاشيء لا نظير له على مستوى الإحساس الذي يبثه وهو ينمو في أحشائنا، ليتحول في الآخر إلى أنشودة عن معضلة الإنسان الحالي.

"منطقة اهتمام" لجوناثان غلايزر

يتناول الفيلم الهولوكوست من دون أي تجسيد له، فلا يتحدث عنه كما في كثير من الأفلام، بل يضعه في خلفية الأحداث المينيمالية التي نتابعها، وبمساعدة لقطات تنطوي على حس جمالي مشغول بعناية نكتشف يوميات أحد قادة أوشفيتز الذي يقيم في جوار المعسكر مع زوجته وأولاده، وهذه المنطقة التي يقيم فيها معروفه باسم "منطقة اهتمام"، وتهتم زوجة الضابط بتفاصيل منزلها فيما يُقتل الأبرياء قرب المكان.

تعيش العائلة في هذه الجنة ولا يبدو على أفرادها أي مظهر من مظاهر الانزعاج والقلق، وقد نال الفيلم الجائزة الكبرى في مهرجان "كان" السينمائي. 

"أوبنهايمر" لكريستوفر نولان

أكثر فيلم كان مادة للاهتمام في 2023 ومحل سجال عند المشاهدين، ويتناول فيه نولان شبه سيرة شخصية طبع إنجازها العلمي المدمر القرن الـ 20.

إنه الفيزيائي والكيميائي الأميركي ج. روبرت أوبنهايمر الذي لُقب بـ "أبو القنبلة الذرية".

نكتشفه في مراحل مختلفة من حياته، حيناً عالماً وحيناً عاشقاً وحيناً متهماً وحيناً بطلاً قومياً وحيناً خائناً أو شخصاً يعيد النظر في كل ما أنجزه، والحال الأخيرة هي أهم جزء في الحكاية لأنها تجرده من أسطوريته وتجعله شخصاً عادياً تتآكله الشكوك.

ويتلاعب نولان بالزمن السينمائي، وهذه إحدى هواياته، في نص بصري هائل لا يزعن لنوع سينمائي محدد، صانعاً خيبة عند الذين ينتظرون سيرة ذاتية تقليدية.

"أوراق ميتة" لآكي كوريسماكي

هذا الفيلم الفائز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي، هو عن لقاء بين كائنين مسحوقين، موظفة سوبرماركت وعامل بناء مدمن على الكحول لا يثبت على وظيفة، وكلاهما يعانيان الوحدة في مدينة هلسينكي المملة، فيأتي اللقاء لتجديد صلتهما بالحياة والحب، وبعاطفته المعدودة تجاه الشخصيات، يتموضع كوريسماكي الحكاية داخل عالم كئيب وبارد، حيث شخصيات تحاول التمسك بالحب لتتمكن من مواصلة رحلة البحث عن السعادة، وعمل دافئ يداعب الروح نال جوائز عدة حول العالم. 

"قتلة قمر الزهرة" لمارتن سكورسيزي

ومن أهم أفلام العام إنتاج ضخم بلغت موازنته 200 مليون دولار، يتناول فصلاً من تاريخ أميركا من خلال أحداث حقيقية طواها النسيان يعيد سكورسيزي تذكيرنا بها لأهميتها، ويجتمع روبرت دي نيرو وليوناردو دي كابريو للمرة الأولى أمام كاميرا صاحب "سائق التاكسي" الذي ينجز أول "وسترن" في مسيرته.

والعمل الذي يتجاوز طوله الساعات الثلاث يحملنا إلى شمال شرق أوكلاهوما في عشرينيات القرن الماضي، معقل قبيلة الأوساج التي تعرضت لتصفيات منظمة بعدما تم العثور على كميات من النفط والغاز في الأراضي التي تعيش عليها. وبكثير من التفاصيل يقدم سكورسيزي فيلماً مشبعاً بأغانيهم وأناشيدهم، راوياً التاريخ لا من وجهة نظر المنتصر أو الخاسر، بل من منظور فنان يرد الاعتبار إلى الضحايا.  

"القصر" لرومان بولانسكي

عمل انقلابي ساخر لأحد آخر عظماء الفن السابع، هاجمه النقاد بشراسة واصفين إياه بأحط النعوت من دون قدرة على الفصل بين الإنسان المتهم بالاغتصاب وفنان قدم هذا العمل الذي يمرغ الأثرياء في الوحل، وذلك خلال تجمعهم في أحد الفنادق الفخمة ليلة رأس العام 2000.

لا يحاول بولانسكي أن يكون ماركسياً أو مصلحاً اجتماعياً، هو يريد إضحاكنا فقط بلغة كوميديا بدائية تعتمد على شيء من فن البورلسك القديم الذي عفا عليه الزمن، لكنه يتجدد أمام كاميرا المعلم ومن خلال سيناريو كتبه يرجي سكوليموفسكي. إنها مناسبة لا يمكن رفضها للضحك على الشخصيات وحماقته، أما الخاتمة المفاجئة والمستفزة فلا يمكن نسيانها.

"الوهم" لأليتشه رورفاكر

يتعقب الفيلم شلة من حفاري القبور الذين يبحثون عن آثار مدفونة في أماكن عدة، قائدهم آرثر إنكليزي مقيم في إيطاليا خرج أخيراً من السجن، وهو صاحب قدرة خارقة على كشف الأماكن التي طمرت فيها كنوز العالم الغابر.

وتتطرق رورفاكر مع هذا العمل البديع الذي يحبس الأنفاس إلى قضية المتاجرة بالأعمال الفنية والآثار المسروقة في إيطاليا ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي متاجرة يبدو أنها تولدت من رغبة "الثائرين" في الانتقام من الظلم الاجتماعي الذي عانوه، وتزجنا المخرجة الشابة والكبيرة في آن معاً، في تجربة مشاهدة فريدة تكرسها نهائياً حكواتية ذات لمسة سحرية.

"فوق الأعشاب الجافة" لنوري بيلغي جيلان

ثلاث ساعات من سينما خالصة، ثرثارة ولكن لماحة، رفقة ثلاث شخصيات رئيسة في قرية أناضولية، الأرض التي لطالما صورها جيلان، وهذه المرة تغمرها الثلوج مثلما يغمر الحزن والكآبة قلب المدرس الذي يبحث عن فرصة خارج جدران المدرسة التي يدرس فيها. يموضعنا المخرج الكبير في قلب القلق الوجودي الذي اعتبره بعضهم اجتراراً لليأس والعدمية، لكن لا يجيد تصوير سواه، وهذا يكفي كي يصنع دهشة. اللقطات الطويلة والكلام الكثير والإحساس الطاغي بالزمن، وهذا كله لا يغيب عن الفيلم الذي يجدد موعدنا مع القسوة والرقة، مانحاً المشاهد كثيراً من الحرية.

"إغماض العينين" لفيكتور إريثه

بعد ثلاثة عقود غياب عاد المعلم الإسباني إلى الشاشة ليقدم هذه التحفة المنتظرة. وتوفر مشاهدة الفيلم متعة لا تُضاهى لكونه يأخذنا في رحلة داخل الذاكرة والماضي والمرض والشيخوخة، بقدرة رهيبة في تجديد الخطاب في كل لحظة. وكثير من النقاد تلقوا الفيلم باعتباره "وصية" مخرج هو اليوم في الـ83، إذ يمنح الانطباع بأن لا كلام يمكن قوله من بعده.

وتبدأ الحكاية بتحقيق يجريه مخرج بحثاً عن الممثل الذي كان لعب في فيلمه والذي اختفى فجأة خلال التصوير، مما منع إكماله.

لكن التحقيق يتحول إلى بحث في الأعماق و مثالية ورغبة إيرثه في عدم الإذعان لمتطلبات السوق وإنجاز عمل يشبهه ويطرح تساؤلاته وهواجسه عن الوجود عموماً، من خلال هذا التصادم بين الواقع والخيال، وببساطة مطلقة يحملنا إلى ينابيع الفن متعاطياً مع السينما كسر ولغز وسؤال مستمر. 

"حيوات ماضية" لسيلين سونغ

فيلم استلهمته المخرجة الكورية الكندية سيلين سونغ من تجربتها الشخصية، وهي قصة فتاة كورية تخضع حياتها فجأة للمساءلة مع الظهور المفاجئ للشاب الذي كان صديق طفولتها.

وهذا فيلم ناعم عن الخيارات التي نجريها في الحياة، والأحلام التي نتخلى عنها تدريجاً ليحل مكانها الطمع بالاستقرار والخوف من المستقبل.

الحيوات الماضية أو السابقة التي يطرحها العنوان هي حياة لا تعيشها البطلة بل تزورها بين حين وآخر، كما يزور أي منا أماكن له فيها ذكريات.

لكن هذه الحياة لا فكاك منها مهما حاولنا طمسها، وهذا ما يشغل الفيلم الجميل الذي ينشغل بنوع ثالث من العاطفة لا هو وليدة حب ولا هو نتيجة صداقة. 

"تشريح سقوط" لجوستين ترييه

فاز الفيلم بـ "سعفة" مهرجان "كان" السينمائي الأخير ونال إعجاب كثيرين على المستوى الدولي، فسقوط زوج من شرفة منزله ووفاته على الفور ينكاءان الجراح ويحضان على الأسئلة المحرجة التي تؤدي إلى اقتحام تفاصيل الحياة الشخصية.

الزوجة، وهي ألمانية تعيش في فرنسا، متهمة وعليها أن تثبت براءتها، فتبدأ سلسلة من الجلسات التي تعيد سرد حكايتهما الزوجية.

أنجزت المخرجة فيلم محاكمة لكن السيناريو يتجاوز هذا النوع ليبلغ مناطق غير مستكشفة، أما الجلسات في المحكمة فأشبه بقطع بازل تعيد بناء لوحة شاملة تسهم في بلوغ "الحقيقة".

المحاكمة ستكون مؤلمة وخصوصاً للابن الضرير الذي لا يكفي أنه خسر والده، بل عليه أيضاً أن يخوض إجراءات قضائية تواكب عملية الحداد الضرورية، وهذا عمل مبتكر وجريء ومختلف يعطي للممثلة ساندرا هولر دور حياتها.  

"دوغمان" للوك بيسون

فيلم قاس وحاد لكن يحمل طبقات عدة من الرقة والحنان، إذا أمعنا النظر جيداً في دواخل البطل المضاد دوغلاس وفي دواخل بيسون.

ودوغلاس هذا ابن عائلة مفككة عاقبه والده عندما كان فتى من خلال حبسه في قفص للكلاب لكنه نجح في الفرار، أما ما حل به بعد ذلك فالفيلم يتكفل بروي التفاصيل، وهذا فيلم عن الحب وغيابه. عالم كامل متكامل يصوره بيسون بصدق وتطرف من دون أن يحسب حساب أي شيء آخر، وفيلم شخصي يصفي عبره بيسون حساباته مع الحياة بعدما تجاوز الـ 60 سنة.

"مندوب الليل" لعلي الكلثمي

الشاب فهد محور أحداث هذا العمل الذي يأخذ من الرياض وليلها مسرحاً له، وتبدأ الحكاية مع طرده المهين من وظيفته في شركة للاتصالات، فيضطر إلى العمل مندوباً ليلياً مكلفاً بتوصيل طلبات إلى أصحابها.

ينزلق صديقنا التائه والوحيد في فخ الليل، مع ما يأتي معه من أشباح قادرة على صناعة الخوف، وهذا عمل لافت بصورة استثنائية يحدث قطيعة مع نمطية بعض الأفلام السعودية من دون أن يسعى إلى ذلك في المقام الأول.

وينصهر الفيلم مع الحياة اليومية ملتقطاً نبضها وإشاراتها من خلال شخصية تكون مدخلنا إليها فنكتشف الأشياء من خلالها. هذا عمل سينمائي ناضج يجمع بين الكوميديا السوداء والثريللر، وهو خير تجسيد لانفتاح السعودية على الفن السابع. 

"داخل قذيفة الشرنقة الصفراء" لفام تيين أن

فيلم فيتنامي بديع فاز بجائزة "الكاميرا الذهبية" في مهرجان "كان" الأخير، وعمل يذكر بأسلوب المخرج التايلاندي أبيشاتبونغ فيراسيتاكول، نتعقب فيه شاب في رحلته إلى الريف من أجل نقل رفات زوجة أخيه الذي اختفى، ويرافقه في الرحلة ابن أخيه الذي لا يبخل بالأسئلة التي تختلط بتساؤلات عمه.

ويصعب قول أي كلام يختزل هذه الرائعة البصرية عن الحياة والموت وكل الأحداث التي تقع بينهما مهما تكن صغيرة وعابرة. أسلوب الفيلم تأملي والإيقاع متمهل، فيحملنا إلى ذروة المعنى من خلال تفاصيل صغيرة.

يا لها من تجربة ونحن نزج في الطبيعة لنخرج منها أكثر نضوجاً، ومنذ باكورته يؤكد المخرج تيين أن على موهبة استثنائية في صناعة سينما.