الحزن يخيم على الكنائس العربية في عيد الميلاد تضامنا مع الفلسطينيين في غزة

YNP ـ تستقبل كنائس الطوائف المسيحية في الدول العربية احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة هذا العام وسط أجواء من الصمت والحزن، وأشجار تخلو من الزينة، وأبنية ومتاجر خالية من كل مظاهر الفرح التي كانت تتميز بها في مثل هذه الأيام، وذلك تضامنا مع تردي الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بسبب الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس والتي تدخل شهرها الثالث.

وتحتفل الطوائف المسيحية، التي تعتمد التقويم الغربي في أنحاء العالم، بعيد الميلاد في 25 ديسمبرفي حين تحتفل الطوائف التي تعتمد التقويم الشرقي في السابع من يناير/كانون الثاني المقبل.

وكان البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، قد أدان في رسالة الميلاد يوم الإثنين "الوضع الإنساني اليائس" للفلسطينيين في غزة، داعيا لوقف "العمليات العسكرية في الحرب بين إسرائيل وحماس والإفراج عن الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في القطاع".

وقال البابا: "أناشد أن تتوقف العمليات العسكرية، وتبعيّاتها المرعبة، بسقوط للضحايا المدنيين الأبرياء، أطلب أن يتمّ معالجة الوضع الإنساني اليائس من خلال السماح بوصول المساعدات".

وأضاف أمام الآلاف في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان: "قلبنا الليلة في بيت لحم، حيث ما زال أمير السلام (المسيح) يرفض منطق الحرب الخاسر، مع زئير الأسلحة الذي يمنعه حتى اليوم من أن يجد له موضعا في العالم".

وقال: "أوقفوا تأجيج العنف والكراهية، وتوجّهوا إلى حل القضية الفلسطينية، من خلال حوار صادق ومستمر بين الطرفين، تدعمه إرادة سياسية قوية ومساندة المجتمع الدولي".

وبعد أكثر من شهرين على اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في السابع من أكتوبر الأول الماضي، يواجه قطاع غزة أزمة إنسانية حادة بعد تدمير واسع النطاق جراء القصف الإسرائيلي، واضطرار نحو 85 في المائة من سكانه البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة للنزوح، بحسب الأمم المتحدة.

كان المشهد الأبرز بالطبع في مدينة بيت لحم، في الضفة الغربية، تلك المدينة التي شهدت ميلاد يسوع المسيح، إذ اختفت شتى مظاهر الاحتفالات التي كانت تزين المدينة في هذا الوقت من كل عام، تضامنا مع الفلسطينيين في غزة، وفي ظل توقفت حركة السياحة وإغلاق مداخل المدينة، وتوقف نشاط المتاجر.

وكانت البطريركية ورؤساء كنائس مدينة القدس قد أعلنوا جميعا إلغاء كافة الاحتفالات بعيد الميلاد للطوائف المسيحية هذا العام مع إقامة الصلوات والشعائر الدينية فقط، في مشهد نادر لم تألفه الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

وأقامت بلدية بيت لحم، والمجتمع المدني مغارة أسمتها "الميلاد تحت الأنقاض"، في ساحة المهد بمدينة بيت لحم بالضفة الغربية، بغية إرسال رسالة للعالم تدعو إلى وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة.

كما أضيئت الشموع وأقيمت الصلوات في ساحة كنيسة المهد بحضور عدد من رجال الدين والمسؤولين وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى السلطة الفلسطينية والمواطنين، وأحاطت أسلاك شائكة بساحة المهد، وغابت الأضواء المبهجة التي كانت تملأ الساحة خلال موسم عيد الميلاد.

وقالت وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية، رلى معايعة، في مداخلة نشرها موقع الوزارة على فيسبوك: "مدينة بيت لحم في هذا اليوم حزينة وتتألم لكل ما يحدث في قطاع غزة وفي باقي المدن الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس".

وأضافت: "بيت لحم مختلفة عن السنوات الماضية. لا توجد أي مظاهر للاحتفال، وإنما فقط الشعائر الدينية، وهذا القرار ليس فقط قرار لرؤساء الكنيسة أو للقيادة الفلسطينية، وإنما هو قرار لكل فلسطيني، لأنه لا يمكن الاحتفال في هذا العيد ودماء أبناء شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية تُراق يوميا".

ودعت وزير السياحة الفلسطينية دول العالم في هذا التوقيت إلى الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني لوقف هذه الحرب الدائرة.

وفي وسط المدينة، رُفع علم فلسطيني ضخم مع لافتة كُتب عليها "أجراس بيت لحم تدق إعلانا عن وقف إطلاق النار في غزة"، بحسب وكالة فرانس برس للأنباء.

وداخل الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم، استُبدلت شجرة عيد الميلاد بمجسم للطفل يسوع المسيح حزينا بين قطع أسمنتية كرمز للدمار والحرب، كما لُف المجسم بالكوفية الفلسطينية وأغصان شجرة الزيتون وسط الردم والركام.

وفي رام الله ألغت البلدية ومجلس الكنائس مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد حدادا على أرواح الضحايا الذين سقطوا في الحرب الدائرة في غزة.

كما قررت الكنيسة الكاثوليكية للروم الملكيين في الجليل أن تقتصر احتفالات عيد الميلاد المجيد على المراسم الدينية وعدم وجود احتفالات في الساحات، تضامنا مع الفلسطينيين في غزة.

سوريا

اختفت أجواء احتفالات عيد الميلاد في شوارع مدن سورية عديدة بعد أن أعلنت الكنائس الرئيسية في البلاد إقامة الصلوات فقط تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة.

وأعلنت الكنائس الرئيسية الثلاث في سوريا في بيان: "نظرا للظروف الراهنة وخصوصا في غزة، يعتذر البطاركة عن عدم تقبّل المعايدات والتهاني في عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية، ويكتفون بالصلوات مرسلين البركة لكل أبنائهم".

وفي مدينة حلب شمالي البلاد، قال مطران السريان الكاثوليك، مار ديونوسيوس انطوان شهدا، لوكالة فرانس برس: "في فلسطين، في المكان الذي ولد فيه السيد المسيح، الناس يتألمون".

وأضاف: "في سوريا ألغينا الاحتفالات والاستقبالات الرسمية في كنائسنا تضامنا مع ضحايا القصف في غزة واقتصرنا فقط على الصلوات لربنا حتى تتوقف الحروب في العالم وفي الشرق".

كما غابت شجرة الميلاد الكبيرة التي كانت تنتصب مزينة حي العزيزية في حلب كل عام، كما خلت الساحة هذه السنة من الزينة أو الإضاءة.

لبنان

كان الاحتفال غائباً في لبنان وسط حالة من الحزن بين المواطنين، إذ حرص البعض على الاكتفاء بترديد الترانيم والصلوات، كما امتنع العديد عن تزيين البيوت بشجرة عيد الميلاد التقليدية تضامنا مع الفلسطينيين واحتجاجا على ما يحدث من صراع في غزة.

أما بالنسبة للمدن اللبنانية الحدودية والتي تضررت من الحرب وتعرضت فيها بعض الكنائس للقصف فضلا عن نزوح الأهالي، اختفت فيها مظاهر الاحتفالات بالكامل حدادا على ما تشهده المنطقة، ولم يتبق للأهالي سوى "الرجاء في أن يعم السلام"، إذ تشهد الحدود الجنوبية مقاومة عنيفة من قبل حزب الله ضد الاحتلال الاسرائيلي منذ بدء عملية طوفان الأقصى في غزة في 7 أكتوبر.

واستقبلت الكنائس المصلين وركزت عظاتها جميعها على السلام والوضع في غزة وفي الجنوب. وقال البطريرك الماروني، مار بشارة بطرس الراعي، في عظة قداس الميلاد، في بكركي: "العيون تدمع لدى العائلات المنكوبة جرّاء الحرب الإبادية في غزة، وعائلاتنا في جنوب لبنان نتيجة امتداد الحرب المشؤومة والمرفوضة إلى قراهم مع ما خلّفت من قتلى وتدمير منازل".

الأردن

دفعت المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة مجلس رؤساء الكنائس في الأردن، إلى إعلان عدم تقبل المعايدات في عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية لهذا العام، والاكتفاء بالصلوات الكنسية.

وقال المجلس إن "القرار يأتي احتراما لأرواح الشهداء في غزة، وعموم فلسطين، وتعبيرا عن تضامنه مع الأهالي فيها، في ظل استمرار معاناتهم؛ بسبب العدوان الإسرائيلي."

وتغير المشهد في الأردن مقارنة بمظاهر الاحتفال العام الماضي، التي شهدت تزيين الشوارع والمدن بالاحتفال بعيد الميلاد، مع انتشار حالة تضامن شعبي كبيرة مع قطاع غزة وعموم الأراضي الفلسطينية.

مصر

لم يختلف المشهد في مصر عن بقية الدول من حيث مظاهر الاحتفال بعيد ميلاد التي يكسوها الحزن والألم هذا العام تضامنا مع الشعب الفلسطيني والحرب الدائرة في غزة.

وانطلقت طقوس عيد الميلاد بالكنيسة الكاثوليكية يوم الإثنين بعد أن ترأس الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك في مصر، قداس عيد الميلاد بكاتدرائية السيدة العذراء مريم في القاهرة، بحضور مطارنة الكنيسة الكاثوليكية من بعض محافظات مصر.

ودعا في عظته إلى وقف الحرب في غزة قائلا: "نرفع صلاتنا من أجل وقف الحرب والدمار والآلام في كل مكان، ونوجه النداء إلى كل من يحمل أمانة المسؤولية في العالم إلى التحرك بعزم لإرساء أسس السلام والعدالة وحماية حياة الناس وحفظ كرامتهم".