التسليم بالندية .. بدء معركة ما بعد إنهاء الحرب

YNP -  إبراهيم يحيى :

مع اقتراب التوقيع على اتفاق إنهاء حرب اليمن، أطلت سريعا استحقاقات معركة من نوع أخر بين صنعاء والرياض، وخلال اقل من 12 ساعة على بيان صنعاء بأن فتح مطاري صنعاء وميناء الحديد من مكاسب صمود اليمنيين وقواتها؛ ردت الرياض ببيان جوي. غارات كثيفة بدت استعراضا معنويا، أكثر منها استهدافا عملياتيا عسكريا.

غارات الطيران السعودي على العاصمة صنعاء، صباح الخميس، عاودت قصف مواقع سبق قصفها مئات المرات طوال ست سنوات من الحرب، ما يجعلها غارات بلا هدف عسكري، قدر ما يؤكد هدفها السياسي المعنوي. وأنها جاءت ردا على بيان مماثل لصنعاء إنما "بري" في جيزان.

تشعر الرياض أنها خسرت الحرب في اليمن بنهاية المطاف، وأُرغمت على الإذعان للضغوط العسكرية من جانب صنعاء، وتصعيدها الهجمات على القواعد العسكرية السعودية ومنشآت عصب اقتصادها وعماد نظامها، ممثلة بمنشآت شركة ارامكو النفطية العملاقة وغيرها من المنشآت الإستراتيجية.

لكن السعودية، تسعى منذ انتصاف أولى سنوات الحرب وبدء رد صنعاء، إلى إنهاء الحرب بما يحفظ ماء وجهها، ويبقي على نفوذها في اليمن، عبر فرض أطراف توالي الرياض وقوى "اللجنة الخاصة" بمجلس الوزراء السعودي داخل منظومة الحكم في اليمن، كما كان لستة عقود تلت ثورة 26 سبتمبر 1962م.

حاول التحالف فرض شروطه التي لا يخفيها، وقامر بخوض حرب استنزاف لمقدرات دوله الاقتصادية والعسكرية، فضلا عن المغامرة بمكانة هذه الدول القيمية والأخلاقية والسياسية بين أوساط شعوبها والمنطقة، وفي المحافل الدولية، علاوة على تعريض نفسها لطائلة الملاحقة القانونية.

مع ذلك، لم ينجح التحالف في كسر شوكة صنعاء، التي ظلت تزداد صلابة وحدة، على المسارين العسكري والسياسي، ومقدرات الصمود مجتمعيا واقتصاديا بوجه حرب عسكرية واقتصادية وإعلامية، لم تدخر وسيلة أو تقنية أو حيلة إلا واستخدمتها، بما لها من إمكانات عسكرية ومالية هائلة.

ظلت السعودية تدرك أكثر من غيرها أن الحرب الجوية، لا تحسم المعارك ولا تصنع الانتصار ميدانيا، بقدر ما تطيل أمد الحرب. فضلا عن أن معادلة الحرب الجوية سرعان ما تغيرت مع تنامي قدرات صنعاء الدفاعية الجوية، وقدراتها الهجومية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

بنهاية المطاف، كان طبيعيا أن تذعن الرياض لواقع فشل منطق القوة، وتسلم لما تفرضه قوة المنطق، وتستجيب لدعوات وقف الحرب في اليمن وضغوط المجتمع الإقليمي والدولي بهذا الاتجاه، وتوافق على شروط صنعاء، التي أعلنتها وتمسكت بها للانخراط في مفاوضات السلام.

هذا ما عبر عنه صراحة رئيس مجلس صنعاء، مهدي المشاط، لدى ترؤسه اجتماعا للمجلس الأربعاء، رحب بالوساطة العمانية و"أي مبادرة تسعى لإحلال سلام عادل وشامل ودائم"، بقوله: "أن مطار صنعاء وميناء الحديدة سيتم فتحهما مرة أخرى أمام كافة أبناء الشعب اليمني شمالاً وجنوباً".

مضيفا حسب ما نقلته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) في صنعاء : إن “فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة استحقاق إنساني بسيط لا يعد مكرمة من أحد وإنما مكسباً من مكاسب الصمود للشعب اليمني وبطولات رجال الجيش واللجان الشعبية”، حسب تعبيره في اشارة للهجمات على السعودية.

ردت الرياض على هذا البيان، ببيان جوي، غارات جوية على صنعاء، لا هدف لها عدا إبلاغ صنعاء بأنها لن تسكت على أي هجوم يستهدف المملكة، وقبل هذا التأكيد لمواطني السعودية وشعوب المنطقة أنها "لم تهزم في حرب اليمن"، وأن إذعانها لشروط صنعاء من "مركز قوة لا ضعف".

ويبقى الثابت في حرب بيانات "التسليم بالندية" بين الرياض وصنعاء، أنها أكدت ضمنيا، إقرارهما بأن الحرب ليست في صالح كليهما وشعوبهما، وأن موازين القوى اليوم مختلف تماما عنه ليلة 26 مارس/ آذار 2015م، والجنوح للسلم والانخراط في مفاوضات سلام شامل ودائم وعادل، خير وأجدى للجميع.