منظمات دولية تضع السعودية في فوهة "بركان حقوقي"

YNP - إبراهيم القانص :
صناعة دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، وتحترم على وجه الخصوص المرأة وحقوقها، صورة وهمية صدّرها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتضليل الرأي العام العالمي برفع شعارات الحداثة والمواكبة لتغيير الصورة النمطية المتخلفة التي تشكلت في الأذهان عن المملكة منذ عقود، ويقدم ولي العهد نفسه كمجدد بينما يتجسد على الواقع أنه أبشع ممن سبقه من الحكام فيما يخص سياسات القمع ومصادرة الحريات وتكميم الأفواه، حسب تصريحات ناشطين حقوقيين سعوديين.

تتوارد المعطيات تباعاً عن استمرار غرق سلطات ولي العهد السعودي في مستنقع الإساءة لحقوق الإنسان داخل المملكة وخارجها، فسياساته العدوانية المتواصلة ضد الناشطين الحقوقيين والعمالة الأجنبية من مختلف الجنسيات أصبحت محط أنظار المنظمات الحقوقية السعودية والعالمية، التي تفيد تقاريرها بارتفاع هيستيريا القمع بشكل غير مسبوق، إلى درجة أن شبكات الإعلام التي يتحصن خلفها بن سلمان لتجميل صورته لم تعد قادرة على الاستمرار في تضليل الرأي العام السعودي والعالمي، فما تورده الجهات الحقوقية السعودية والعالمية عن انتهاكات حقوق الإنسان بدأ بإفقاد شبكات التلميع الإعلامي مصداقيتها لدى الجمهور، خصوصاً بعدما حكمت السلطات السعودية على إعلامي سوداني، كان يعمل على أراضيها كمنسق إعلامي في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، بالسجن أربع سنوات في يونيو الماضي، لمجرد تغريدات ومقابلات إعلامية نشرها على "تويتر"، تناول فيها ثورة بلاده، وانتقد سياسات وممارسات المملكة في السودان واليمن.

منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، أعادت أيضاً إلى السطح قضية المسئول الاستخباراتي السعودي السابق، سعد الجبري، الذي قاضى ولي العهد السعودي، العام الماضي، أمام محكمة اتحادية أمريكية بموجب "قانون حماية ضحايا التعذيب"، بدعوى أن بن سلمان أرسل قتلةً مأجورين لاغتياله في كندا عام 2018م، وكانت إجراءات السلطات السعودية مقابل ذلك أن اعتقلت أكثر من أربعين فرداً من عائلة الجبري وأقربائه، والذين تقول مصادر متواترة أنهم لا يزالون محتجزين حتى اللحظة، ومن بين المحتجزين عُمر وسارة الجبري، ولدا مسئول المخابرات السعودي السابق سعد الجبري، وبعد اعتقالهما وأثناء محاكمتهما احتجزت السلطات السعودية الشقيقين بمعزل عن العالم الخارجي، ومنعتهما من مقابلة محاميهما أو التحدث مع أفراد أسرتهما، حسب تقرير المنظمة الدولية الحقوقية، التي اعتبرت تلك الإجراءات عقاباً جماعياً يستوجب المساءلة، مطالبةً سلطات ولي العهد بالإفراج الفوري عن ولدي الجبري، وفي الوقت نفسه اعتبرت المنظمة احتجازهما ومحاكمتهما محاولةً لإجبار والدهما على العودة إلى الأراضي السعودية.

في السياق، تساءل مجموعة من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، في مذكرة أممية أرسلوها في مايو الماضي، عن مصير 20 معتقلاً حقوقياً في سجون السعودية. معربين عن مخاوفهم من استمرار اعتقالهم واحتجازهم لمجرد عملهم على تعزيز حقوق الإنسان والدفاع عنها في المملكة، مشيرين إلى أنهم لم يتلقوا رداً على مذكرتهم حتى الآن، الأمر الذي دفع بالخبراء الحقوقيين إلى التشكيك في قانون مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله في السعودية.

وفيما يخص الإجراءات التعسفية بحق العمالة الأجنبية في السعودية، لا تزال كثير من الأسر الفلبينية وغيرها من الجنسيات الآسيوية والإفريقية تجهل ما حدث ويحدث لبناتها العاملات في المملكة، حيث تلقت الكثير منها خلال الفترة الماضية بلاغات عن وفاة بناتها ولم تتمكن من معرفة أي معلومة عمّا حدث لهن وتسبب في وفاتهن، وغالبيتها لم تتمكن حتى من الحصول على الجثث، أما العمالة من دول الجوار وتحديداً اليمن فقد اتخذت سلطات المملكة إجراءات تعسفية جديدة بحق المغتربين اليمنيين، بإبلاغها مالكي الأعمال في مناطق جيزان وعسير ونجران بتسريح العمالة اليمنية واستبدالها بعمالة من جنسيات أخرى، محددة لمواطنيها مهلةً تتراوح بين 3 إلى 4 أشهر لتنفيذ ذلك، رغم مخالفته لقانون العمل السعودي ومختلف القوانين العالمية الخاصة بحقوق العمال والحقوق الإنسانية بشكل عام، الأمر الذي يضيف أعباء حقوقية كبيرة على كاهل المملكة، وتركة ثقيلة من انتهاكات حقوق الإنسان، ويرى مراقبون أن المنظمات الحقوقية الدولية برفعها خلال الفترة الأخيرة وتيرة قلقها وتنديدها بالانتهاكات السعودية سواء بحق مواطنيها أو جيرانها، وتكثيف تقاريرها التي تكشف يوماً بعد آخر الوجه الحقيقي لحكام المملكة وسياساتهم القمعية؛ ربما تقرب السعودية تدريجياً لوضعها أمام المساءلة والملاحقات القانونية، غير مستبعدين أن يكون ذلك تمهيداً لفصول جديدة من الابتزاز مقابل أن تصم الجهات المعنية الدولية آذانها وتغض طرفها، لكنه في جميع الأحوال هاوية ستصبح الأموال والنفوذ في حالة عجز عن إخراج السعودية إذا وصلت قعرها.