الحوثيون يحققون إنجازاً منفرداً.. والتحالف يخسر ورقة "الدعم الإيراني"

YNP - إبراهيم القانص :
الضخ الإعلامي الذي اعتمدته السعودية منذ بداية حربها على اليمن، وربما منذ ما قبل الحرب، أي في مراحل التهيئة والتحضير لها كونها لم تكن وليدة لحظتها،

وإنما مخطط لها بعناية فائقة، كان ذلك الضخ مكرساً في البداية لتشويه صورة الحوثيين وتثبيت صورة نمطية مشوهة عنهم في ذاكرة المجتمعات العربية وغير العربية، بل وداخل المجتمع اليمني نفسه، وكان ذلك أحد مسببات الانقسام بين مؤيد للحرب ومعارض لها، خصوصاً أن المملكة وحلفاءها يملكون منظومات إعلامية كبيرة ومتنوعة، وبعد ما بدأت الحرب وبدأ الحوثيون يغيرون معادلاتها على الأرض- عسكرياً وسياسياً- وبدأت السعودية وحلفاؤها يكتشفون خطأ مغامرتهم وسوء تقديراتهم، بما وجدوه من صلابة دفاع قوات صنعاء بإمكاناتها البسيطة وعزائمها القوية وتكتيكاتها المحكمة.

بعد كل ذلك الواقع الذي كان خارج نطاق حساباتهم المغلوطة سلك التحالف مسلكاً جديداً فيما يخص ضخه الإعلامي ضد أنصار الله الحوثيين، باعتباره جزءاً مهماً من المعركة، وتمثل ذلك المسلك في التقليل من شأن قدرات وإمكانات الحوثيين القتالية، لتغطية فضائح العجز العسكري عن مواجهتهم أو كسرهم وفق ما كانت السعودية وحلفاؤها يمنّون به أنفسهم ويضللون به جمهورهم، رغم الغطاء الجوي الذي ملأ الفضاء ضجيجاً بهدير طائراتهم الحربية ومئات الآلاف من القنابل والصواريخ التي أسقطوها على رؤوس اليمنيين، وكلما تساقطت رهانات التحالف أمام بأس مقاتلي صنعاء كلما كثفت وسائل إعلامه من حملات التقليل من شأنهم، حفظاً لما تبقى من ماء الوجه بعد كل ذلك الاستعراض للقوة والتصريحات التي أوهمت العالم بأن الحسم سيتم خلال أيام قليلة، وثبّتت قيادة التحالف عبارةً ألزمت بها وسائل إعلامها وسياسييها، وحتى المحللين اليمنيين التابعين لها أينما كانت أماكن إقامتهم، والذين أصبحوا ضيوفاً دائمين ومملين على شاشات الفضائيات ومواقع التواصل، تمثلت تلك العبارة في نسبة كل إنجاز يحققه أنصار الله الحوثيون على الأرض إلى إيران والدعم الإيراني، بحيث لا يكاد يظهر محلل عسكري أو سياسي على إحدى فضائيات التحالف إلا ويحشر إيران في أول سطر ينطق به، رغم علم الجميع بأن صنعاء طيلة سنوات الحرب السبع طورت قدراتها وأسلحتها وخططها، وانتقلت بشكل مدهش وغير متوقع من موضع الدفاع إلى خطوط الهجوم، حتى أصبحت لازمة إيران والدعم الإيراني عبارة مستهلكة باهتة، وربما فقدت إلى الآن أي تأثير كان مؤمَّلاً منها لاستمرار المغالطة وصرف الأنظار عمّا يحدث فعلياً.

في المقابل، ظلت قوات صنعاء توجه ضرباتها تباعاً في العمقين السعودي والإماراتي، وسط عجز تام عن التصدي لهجماتها الباليستية والمسيَّرة، وزادت بالتالي سوأة التحالف انكشافاً أمام العالم، فمليارات الدولارات التي أنفقتها ولا تزال تنفقها الرياض وأبوظبي على صفقات التسليح تحولت إلى رماد تذروه رياح الهجمات اليمنية، الأمر الذي جعل التحالف محط سخرية الكثير من الفعاليات الدولية والعربية المؤثرة، خصوصاً بعد ما تعالى الصراخ بمناشدة المجتمع الدولي وقواه الفاعلة وقف هجمات الحوثيين، والمطالبة بتصنيفهم منظمة إرهابية واستجداء الدول المصنعة للأسلحة تزويد السعودية والإمارات بأنظمة دفاعية أكثر فاعلية ودِقةً لصد الهجمات الصاروخية والمسيّرة، وفي الوقت نفسه يتعاظم الإعجاب بتطور قدرات صنعاء العسكرية واستراتيجياتها الحربية المثيرة للدهشة والتي أحدثت فارقاً ميدانياً أوصل التحالف إلى مرحلة العجز التام عن تجاهله أو التقليل من شأنه.

ويرى مراقبون أن تطوير الحوثيين قدراتهم العسكرية الدفاعية والهجومية، أجبر الكثير من متابعي الحرب حول العالم على الاعتراف بذلك التطور، بل وإبداء الإعجاب الشديد به، رغم أن موقف الغالبية هو الصمت وغض الطرف عن الجرائم التي يرتكبها التحالف بحق اليمنيين على مدى سنوات الحرب السبع، مشيرين إلى تحليل نشرته مجلة "ناشيونال انترست" للباحث بول ربيلار تحت عنوان "التوصيف الخاطئ للحرب في اليمن، ذكر أن النظر إلى الحرب في اليمن من خلال عدسات ملونة بأجندات ومخاوف غربية، كالقول إنها ضمن توسيع إيران لنفوذها وأن التحالف الذي تقوده السعودية يواجه هذا النفوذ، يضر كثيراً بفهم وحل النزاع، موضحاً أن هذه النظرة تحظى بتأييد غالبية المتابعين والمعلقين بسبب أن التحالف الذي تقوده السعودية متحالف مع أمريكا وإسرائيل، منوهاً بأن الهجمات التي تنفذها قوات صنعاء ضد السعودية والإمارات رد طبيعي وغير مفاجئ، وأضاف: عندما يتعرض أي شخص لضربة شديدة مثل اليمنيين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون الذين ضربتهم المملكة العربية السعودية وحلفاؤها ، فإن الرد الطبيعي وغير المفاجئ، لكن تميل التغطية الصحافية والمناقشات السياسية إلى التركيز بشكل أكبر على هجمات الحوثيين أكثر من التركيز على الدمار الهائل الذي يحدثه التحالف في مناطقهم، مرجعاً الأسباب إلى أن ما يحدث في مطار أو منشأة نفطية في السعودية أو الإمارات هو أكثر وضوحاً للعيون الغربية من أي مذبحة تحدث في مناطق سيطرة الحوثيين.

وأشار التحليل إلى سبب آخر لتوصيف الحرب بهذه الطريقة والانحياز إلى التحالف ضد الحوثيين، وهو ما وصفه بالإطار المفاهيمي الذي بموجبه يُنظر إلى أنصار الله على أنهم أشرار في صراع على مستوى المنطقة ضد "الأشخاص الطيبين المفترضين" وهي لوحة خيالية تم إنشاؤها في ظل الهوس المعتاد بإيران، وهو رأي يتجاهل طبيعة الحرب اليمنية، وما أنجزه الحوثيون بمفردهم على مدى سنوات، مؤكداً أن التفسير الصحيح لإطلاق الحوثيين طائرات مسيَّرة ضد السعوديين أو الإماراتيين هو أنهم يردون على الأطراف التي قصفتهم، أما الحديث عن شبكة متعددة الجنسيات لتوسيع النفوذ الإقليمي فليس سوى تفسير معقّد.