بن سلمان ينقلب على المجتمع السعودي خلف واجهة التحديث

YNP - إبراهيم القانص :
الإصلاح والتحديث والتحرر من التشدد الديني ورؤية 2030، عناوين وشعارات بدأ بها ولي عهد السعودية محمد بن سلمان ربما أكبر عملية استخفاف واستغفال لمواطنيه وللعالم أجمع،

إذ أن ما يحدث حتى الآن من بعد إعلان رؤيته وسياسة التغيير في المملكة، سواء على مستوى الداخل السعودي أو على مستوى السياسة الخارجية، يتكشف عن أن نوايا ولي العهد الحقيقية عكس ما يقوله وما يعلنه تماماً، فرؤية 2030 لم يرَ السعوديون منها شيئاً حتى اللحظة، ففي ما يخص الاقتصاد لم يلُح في الأفق ما يبشر بتحسُّنٍ أو نمو، بل زادت الأعباء المعيشية وأثقلت كاهل فئات كثيرة من المواطنين، خصوصاً بعد رفع السلطات قيمة الضريبة المضافة من 5 إلى 15%، فضلاً عن أن الخزينة السعودية لا تزال تُستَنزَف في الحرب التي تقودها المملكة على اليمن منذ سبعة أعوام، ويتمثل ذلك الاستنزاف في صفقات الأسلحة التي تكلف خزينة المملكة مئات المليارات من الدولارات، فضلاً عن المليارات التي تبددها في الإنفاق على أتباعها والقوات التي تقاتل نيابة عنها وشراء الولاءات التي تكلف الكثير والكثير، ولا يُستثنى من ذلك الأموال التي تمول بها السعودية الصراعات التي تغذيها في أكثر من دولة عربية وغير عربية، مثل العراق وسوريا وليبيا وتونس والسودان، فالأموال الخليجية- تحديداً السعودية والإماراتية- تقف وراء كل النزاعات في المنطقة.

أما ما يخص التحديث أو التغيير والانفتاح الذي يقوده محمد بن سلمان في بلاده، فهو لا يتعدى كونه انقلاباً اجتماعياً وتدجيناً واستبدالاً لهوية شعب محافظ يستند في ثقافته إلى قيم وأعراف ومبادئ دينية وأخلاقية، وهي منظومة متكاملة يشرف على تفكيكها ولي العهد شخصياً تحت مسمى التحديث، وليست الحفلات والمهرجانات الموسيقية والسينمائية، سوى واجهة لكسر القيم المجتمعية المحافظة، والتخلص تدريجياً من قيم الدين بشكل كامل وليس من التشدد الديني فقط، فالسماح بالاختلاط بين الجنسين وتعاطي الكحول والمخدرات بأنواعها علناً ليس دليلاً على التخلص من التشدد الديني بل دليل على الخروج عن أهم القيم الدينية التي تميّز المجتمعات العربية المسلمة عن غيرها، وتؤدي بالنتيجة إلى أن يصبح المجتمع مدجناً فاقداً لهويته ويحمل صفات ليست من صفاته وهو في الأساس غير مقتنع بها، وإنما جرفته إليها موجة تم التخطيط لها جيداً، وتم تهيئته لركوبها بعملية توجيه أو تشكيل خاطئ للوعي من خلال منظومات وشبكات إعلامية كبيرة تم إعدادها لهذا الغرض، وأدت نتائجها المطلوبة خصوصاً أن السلطات استغلت ثقة مواطنيها الكبيرة بها استغلالاً بشعاً.

على صعيد حقوق الإنسان، يرى مراقبون أن ولي عهد السعودية يرتكب أبشع الجرائم الحقوقية بدءاً بمحيطه العائلي ومروراً بأبناء بلده الذين ينتقدون سياساته أو يطالبون بإصلاحات سياسية واقتصادية، وصولاً إلى أقذر وأبشع حرب تقتل الأطفال والنساء في اليمن وتدمر كل مقدراته وبناه التحتية وتنهب ثرواته وتنتهك سيادته، في تناقض غير مسبوق لما يسوّقه أمام المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي من الرؤى الإنسانية والتطويرية التي تضع على رأس أولوياتها الإنسان، بينما الواقع الذي ترصده بدقة عالية مراكز بحثية ومنظمات إنسانية وحقوقية وباحثون ومتابعون ومهتمون؛ يقول إن بن سلمان بسياساته القمعية يُعدّ واحداً من أكثر القادة وحشيةً على مستوى العالم، حسب أحدث تصنيف منحته إياه شبكة "فوكس ميديا" الأمريكية، التي سردت سلسلة من جرائم الحاكم الفعلي للسعودية، وأبرزها اختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، واعتقال أهم شخصيات العائلة الحاكمة وشخصيات نخبوية سعودية، وابتزاز بعضهم ومصادرة ممتلكات الكثير منهم، بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة قمع الناشطين الحقوقيين والمعارضين لسياساته، وكذلك حرب على اليمن، والتي تسببت في أكبر كارثة إنسانية على مستوى العالم، حسب تقارير أممية.

صحيفة "نيويورك تايمز"، كثفت خلال الفترة الأخيرة اهتمامها بإبراز سياسة القمع المتعمد التي ينتهجها محمد بن سلمان تجاه العائلة الملكية في السعودية، كوسيلة بشعة ولا إنسانية من أجل تعزيز هيمنته واستفراده المطلق بالسلطة، حيث اتهمته بسجن الأميرة السعودية "بسمة بنت سعود" وابنتها "سهود الشريف" لمدة ثلاث سنوات، في ظروف سيئة للغاية تمثل أبشع انتاك لحقوق الإنسان، لمجرد انتقاد الأميرة توجهه السياسي والاجتماعي، وتطرقت الصحيفة الأمريكية أيضاً إلى تضليل ولي العهد للرأي العام العربي والعالمي عن طريق الإفراج عن معتقلين ظاهرياً فقط، حيث يفرض عليهم سجناً إجبارياً داخل منازلهم، ويصادر وثائقهم الشخصية الثبوتية لمنعهم من السفر، وملاحقة وتهديد الذين تمكنوا من مغادرة المملكة إلى دول أخرى، وقد تلقت محاكم كندية وبريطانية دعاوى رفعها مسئولون سعوديون فارون من بطش ولي العهد، يتهمونه فيها بملاحقتهم ومحاولة اغتيالهم عن طريق قتلة مأجورين وخلايا تهديد وملاحقة يستأجرها بن سلمان للنيل منهم.