التحالف يسلّم الإصلاح مكافأة نهاية خدمته في شبوة وحضرموت

 YNP -  إبراهيم القانص :

تتساقط أدوات التحالف في المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية تباعاً، وفق المخطط الذي وضعه منذ بداية حربه على اليمن، والذي يسير باتجاه النهاية التي رسمها بعناية لتؤدي في المحصلة إلى تحقيق أهداف وغايات وأطماع لم تُعلن وتستمر على مدى السنوات الماضية بالأساس إلى من أجل بلوغها، وبالطبع لم يكن من بينها إعادة الشرعية، أو الكذبة الأكثر استخفافاً والمتمثلة بـ"قطع ذراع إيران" ومحاربة التمدد الإيراني في اليمن،

فكل تلك الشعارات كانت ضمن الخطة الأساسية للسيطرة على اليمن، ثرواته ومواقعه، وقد أُنجزت نسبة كبيرة من المخطط، ولا يظل سوى القليل، فغالبية المواقع والمنافذ والسواحل والجزر وحقول النفط أصبحت تحت تصرف قوات التحالف، ولم يبقَ في يد السيادة اليمنية سوى المناطق التي وقفت منذ الساعات الأولى من العمليات العسكرية في اليمن ضد التحالف، ولم يجد للوصول إليها سبيلاً، وهي المحافظات والمناطق التي تديرها سلطات صنعاء، كونها لم تقع في فخ الولاءات والقيادات المتعددة، بل تمضي تحت قيادة واحدة باتجاه صون السيادة والكرامة والخلاص من التبعية لأي قوى خارجية، ورغم أنها تدفع ثمناً باهظاً نتيجة ذلك بالدمار الذي أحدثته العمليات العسكرية بأنواعها، خصوصاً الغارات الجوية، التي دمرت البنى التحتية وقتلت مئات الآلاف من المدنيين، أطفالاً ونساء ومُسنّين، إلا أنها لا تزال حتى اللحظة متمسكة بموقف المواجهة والتصدي، متحملة أعباء وتبعات حصار اقتصادي خانق.

 

الجدير بالإعجاب التطورات اللافتة، على صعيد المواجهات العسكرية أو على مستوى المفاوضات السياسية التي أصبحت سلطات صنعاء تخوضها من موقع القوة، بعد انتصارات قواتها التي أجبرت دول التحالف ومن يقف خلفها على النزول من أبراجهم العاجية والجلوس إلى طاولات الحوار، من أجل درء الخطر الذي يهدد منشآتهم النفطية والحيوية واقتصاداتهم القائمة غالباً على النفط والاستثمارات الأجنبية، بعد ما وصلتها طائرات صنعاء المسيَّرة وصواريخها الباليستية، خلاف ما كانوا يتوقعون، حيث داهمهم ما كانوا يستخفون به، فارضاً عليهم إعادة حساباتهم المغلوطة.

 

الأحداث التي تسارعت وتيرتها خلال الأيام الماضية، في محافظة شبوة النفطية، ولا تزال تسلك مساراً تصاعدياً، بمواجهات محتدمة بين الفصائل الموالية للتحالف، متمثلة في قوات حزب الإصلاح، الذي كان مدعوماً من السعودية، والقوات الموالية للإمارات بمسمياتها المختلفة، والتي انتهت مرحلتها الأولى بسيطرة الإمارات على مدينة عتق، تكشف الغطاء عن المراحل الأخيرة- إن لم تكن الأيام الأخيرة- لاقتراب الإصلاح من نقطة النهاية، فصلاحيته انتهت وورقته احترقت ولم يعد يشكل رقماً لدى التحالف، ولم يشفع له موقفه المؤيد للحرب منذ لحظاتها الأولى، وخروج أتباعه رافعين لافتات الترحيب بالتدخل الأجنبي، وتحرك عناصره المسلحة إلى كل جبهات القتال باذلين أرواحهم من أجله، فبمجرد أدائه الدور الذي رُسم له وبالطريقة التي أرادها التحالف، ها هو الآن يواجه مصيره المحتوم بتقويضه من التمثيل السياسي في كل المجالات، وإزاحته من الميدان عسكرياً، سواء بقرارات الإقصاء لأهم رموزه وقياداته، أو بالتصفية ميدانياً كما يحدث له الآن في محافظة شبوة، حيث سيطرت الفصائل المسلحة التابعة للإمارات، على معسكرات الإصلاح في مدينة عتق ومحيطها، وبالتالي سقطت المدينة كاملة في يدها، بغطاء جوي مكثف من الطيران الحربي الإماراتي، الذي حسم المواجهات مع مسلحي الإصلاح، بأكثر من ثلاثين غارة، استهدفت مواقعه ونقاطه العسكرية على امتداد الطرقات التي كانت تحت سيطرته، وصولاً إلى المواقع القريبة من محافظة حضرموت، التي تُعدّ الوجهة الجديدة لفصائل الإمارات بهدف إخراج مسلحي المنطقة العسكرية الأولى، التابعة لقائد الجناح العسكري في حزب الإصلاح، علي محسن الأحمر، من مديريات وادي حضرموت، التي تتصاعد فيها مؤشرات التوتر والتحشيد، ومنذ الثلاثاء الماضي والتحالف يوجه فصائله برفع حالة التأهب والاستنفار العسكري، إيذاناً باقتراب إقامة المراسيم الأخيرة لقوات الإصلاح هناك.

 يبدو أن حزب الإصلاح لم يستوعب بعد طريقة تعامل التحالف مع أتباعه ومواليه، ولا يزال يصدق أنه جاء من أجل اليمن واليمنيين، رغم أن مؤشرات استغناء التحالف عن خدماته ظهرت منذ وقت مبكر، فالغارات الصديقة التي كان طيران التحالف يقصف بها مجندي الإصلاح في عدن ومارب وشبوة وعدد من المحافظات لم تكن عن طريق الخطأ مثلما كانوا يبررونها، وخفض النفقات التي كانت تصرفها السعودية على مجنديهم أيضاً ضمن تلك المؤشرات، وها هو الحزب يلفظ أنفاسه الأخيرة في موقف مهين لم يكن في الأساس مضطراً أن يضع نفسه فيه، بتأييده الحرب على بلاده، وحشد عناصره في كل خطوط المواجهة، حتى التشكيلات العسكرية التابعة للإمارات بكل مسمياتها لا تُعدّ منتصرة في مواجهاتها مع قوات الإصلاح، فالمصير نفسه ينتظرها بمجرد أن تنتهي من تحقيق الأهداف الإماراتية.

 

الطائرات الحربية الإماراتية التي قصفت ألوية الإصلاح العسكرية وعناصره الأمنية في شبوة، انطلقت من منشأة بلحاف الغازية بمديرية رضوم، ومن معسكر مُرّة شرق مدينة عتق، والذي يُعدّ قاعدة عسكرية إماراتية، ومن مطار الريان في مدينة المكلا بحضرموت، الذي استولت عليه القوات الإماراتية منذ عام 2016م، كل تلك الأماكن والمنشآت الحيوية اليمنية المهمة وغيرها الكثير، كان حزب الإصلاح على دراية كاملة بأنها أصبحت تحت السيطرة الإماراتية، وتم كل شيء أمام ناظريه وبمباركته، حتى يثبت ولاءه للتحالف متجاوزاً كل الخطوط الحمراء التي تخص السيادة الوطنية والثروات السيادية المملوكة لأبناء الشعب اليمني، وما يحصده الإصلاح الآن من الخزي والمذلة والنهاية المخجلة، لم يكن سوى نتيجة طبيعية لتفريطه وموافقته على التدخل والوجود الأجنبي في بلاده، ربما يكون لديه فرصة أخيرة للعودة، لكنه كما يبدو غير قادر على التواجد في المكان الصح، لينتهي في المكان الخطأ بكل ما لحقه وسيلحقه من العار والمذلة.