صراع جديد في المثلث الإستراتيجي المتاخم لمضيق باب المندب.. ماذا في التفاصيل ؟

YNP _ حلمي الكمالي :

تتفاقم الصراعات البينية داخل حلبة التحالف السعودي الإماراتي، بشكل شبه يومي، كانعكاس تلقائي وطبيعي للفشل المشترك والمستمر للقوى الخارجية والأدوات المحلية معاً، والذي يلقي بضلاله على قواعدها العسكرية والسياسية الهشة شيئاً فشيئاً، وهو ما يمكن ملاحظته في خضم الصدام المحتدم مؤخراً بين قطبي التحالف التي تدنو على حافة الهاوية للمشهد الدراماتيكي لواقعها المتهالك على إمتداد المحافظات الجنوبية اليمنية، فما تكاد أن تدخل هذه القوى في صراع نفوذ وسيطرة هنا حتى ينفجر صراع آخر هناك، حتى حولت مناطق سيطرتها إلى بؤر قتالية محتقنة تكوي بعضها البعض.

بالتالي فإن ما نشاهده من صراعات وحروب متلاحقة ومكثفة بين قوى التحالف وفصائلها خلال الآونة الأخيرة، يأتي في إطار صراعات من أجل البقاء على ظهر المشهد، والتمسك ولو "بقشة" لضمان الوجود مستقبلاً على الساحة، تحت أي مظلة كانت، وهذا الصراع ينعكس تماما على قوى التحالف وفصائلها على حد سواء، فالكل يلهث لضمان الوجود والبقاء، وهو إقرار غير مباشر بفشلها التام طوال السنوات الثمان. وهذا أيضاً ما ينطبق على الصراع المزودج الأخير الذي انفجر في مدينة عدن ولحج ومناطق الساحل الغربي في ذات الوقت، بين قوات الإنتقالي وقبائل الصبيحة من جهة، وقبائل الصبيحة وفصائل طارق صالح من جهة أخرى.

ما ظهر للعلن من حجج للصراع المزدوج، والذي حمل لافتة "خلافات على أرضية مطار صلاح الدين في مدينة عدن"، بما يخص المواجهات بين الإنتقالي وقبائل الصبيحة، أو التمرد الذي أعلنه قائد لواء الدعم والإسناد في الفصائل الإماراتية المتمركزة في مدينة الخوخة، جنوبي محافظة الحديدة، أبو ذياب العلقمي الصبيحي، على أنه ردة فعل لإقالته، والذي أدى إلى اندلاع مواجهات طاحنة مع قوات طارق صالح؛ ليست إلا ذرائع واهية للعنوان الكبير الذي يخفي السبب الحقيقي الذي فجّر جذور الصراع الجديد، وإعطائه مبررات وحج مغايرة كالعادة، وهو الصراع السعودي الإماراتي للسيطرة على المثلث الإستراتيجي المتاخم لمضيق باب المندب.

والحقيقة أن هذا الصراع ليس جديداً بالمفهوم اللحظي للأحداث، حيث وأن الصراع على المثلث الإستراتيجي المحيط بالمضيق، قائماً بين قطبي التحالف منذ الوهلة الأولى لحربها على اليمن، ولكنه تحول من الحالة الكامنة إلى الصراع العسكري المباشر، نظراً للمتغيرات القائمة، فهذا المثلث الذي يمتد من مدينة الخوخة، ويمر عبر مدينة المخأ الساحلية بمحافظة تعز، ومن ثم منطقة رأس العارة بمحافظة لحج، ويمتد إلى تخوم سواحل عدن، والذي تسيطر الفصائل الإماراتية على معظم مناطقه، أصبح هدفاً سعودياً طارئاً اليوم، تسعى قائدة التحالف لاستخدامه كورقة ضغط لكبح المساعي الإماراتية للتوغل في الهضبة النفطية شرق البلاد.

السعودية باشرت في وقت مبكر بتدشين مخططها في المنطقة الإستراتيجية، حيث عمدت على طرد فصائل الإنتقالي وقوات طارق صالح من منطقة رأس العارة، قبل أن تسلم المنطقة لوحدات من قوات "درع الوطن" الموالية لها، في محاولة واضحة لقطع الطريق أمام السيطرة الإماراتية على المثلث الإستراتيجي، بالتالي التحكم بمضيق باب المندب وطرق الملاحة البحرية الدولية، لذلك فإن ما يفسر التحركات السعودية اليوم لتفجير الصراع المباشر في تخوم المنطقة الإستراتيجية ليس فقط دفعها كبرى قبائل محافظة لحج، لإفشال المشروع الإماراتي وحسب، بل بإعادة تفعيل الألوية التهامية المحسوبة على الإصلاح، للتمدد في مناطق الساحل الغربي في موازاة قوات طارق صالح الموالية للإمارات.

وقبيل إنفجار الأحداث الأخيرة بعدة أشهر، وتحديداً مع دخول الصراع السعودي الإماراتي مرحلة متقدمة من الاقتتال والصدام المباشر في المحافظات الجنوبية اليمنية، كانت قائدة التحالف، قد بدأت بتقديم الدعم المباشر للألوية التهامية المتمركزة في مدينة الخوخة، بعد فتور العلاقة لسنوات، وجرى ذلك من خلال استدعاء سعودي لأبرز قيادات الألوية التهامية إلى الرياض، ضمن ترتيبات لدمجها مع الفصائل السعودية الجديدة، وإعادة نشرها في مناطق الساحل الغربي، كبديلة عن قوات طارق صالح الموالية للإمارات.

ناهيك عن تعيين قيادات من قبائل الصبيحة على رأس ألوية قوات "درع الوطن"، لضمان ولاء كبرى قبائل المحافظة، أو على الأقل تحييدها في معركتها ضد الإمارات. وتشهد المناطق المحيطة بالمثلث الإستراتيجي، خلال الأيام الماضية، تحشيدات عسكرية غير مسبوقة بين فرقاء التحالف، فعقب الإشتباك بين قوات الإنتقالي وقبائل الصبيحة في مدينة عدن، تستعد كبرى قبائل محافظة لحج، لخوض معركة فاصلة ضد فصائل طارق صالح في الساحل الغربي، حيث بدأت بتحشيد المقاتلين من مختلف أبناء القبائل، لتعزيز قوات أبو ذياب العلقمي الصبيحي، الذي مايزال يخوض مواجهات متقطعة مع القوات المشتركة التابعة لطارق، في أطراف مديرية الخوخة، جنوبي محافظة الحديدة، في ظل رفضه التسليم بقرار إقالته، ومساعيه للتوغل في معقل الفصائل الإماراتية في الساحل الغربي.

على أية حال، فإن الصراع الأخير بين قطبي التحالف السعودي الإماراتي، في المثلث الإستراتيجي المتاخم لمضيق باب المندب، قد لا يكون الأخير، في ظل إحتدام الخلافات العميقة بين السعودية والإمارات، واستمرار الأدوات التابعة لهما، في اشتباك متبادل ودائم، خدمةً لأجندات قوى التحالف، وخوضها حروب فتاكة لا ناقة لها ولا جمل، وهو ما ينذر بفنائها من المشهد السياسي والعسكري، في وقت تضاعف صراعات قوى التحالف وفصائلها من الأزمات المعيشية والأمنية المركبة التي يعيشها المواطنين اليمنيين في مناطق سيطرتها، بعد أن أغرقتهم بالحرب وانقطاع المرتبات والكهرباء، وأخيراً النفايات السامة.