من الإطاحة بهادي حتى "مجلس حضرموت".. الشرعية تعجز عن فهم حجمها لدى السعودية

YNP / إبراهيم القانص -

تشير كل التقديرات والوقائع على الأرض، وطريقة المماطلة والتلكؤ إلى أن السعودية لم تكن صادقة فيما أعلنته من النوايا على التفاوض لإحلال السلام في اليمن، فالجزئية التي تم التفاوض بشأنها وتحديداً في الملف الإنساني والاقتصادي وفق الشروط التي وضعتها صنعاء تراجعت السعودية عن إنجازها، وأبقت الوضع متأرجحاً بين حالة اللا حرب واللا سلم.

 

لكن تعمد السعودية إبقاء الوضع غائماً في المشهد اليمني، ليس نتيجة خلافات جوهرية على ما كان اتُفِق بشأنه في رمضان الفائت، بحضور الوفد السعودي الذي رأسه السفير محمد آل جابر ووفد الوساطة العماني في العاصمة صنعاء، بل كسب للوقت، فخلال الفترة منذ بدء التفاوضات حتى اللحظة تحركت السعودية أكثر من أي وقت مضى لتعميق الانقسام بين اليمنيين- خصوصاً في مناطق سيطرة التحالف والشرعية- والدفع بالصراع والنزاعات البينية إلى أعلى درجات التوتر، وفي المحصلة إحداث الشرخ الأكبر في صفوف اليمنيين بإعلان مجلس حضرموت الوطني، ليكون مصير المحافظات الجنوبية والشرقية التمزق والتشتت بين مجلسين: الانتقالي الجنوبي المدعوم والموجّه إماراتياً، ومجلس حضرموت الذي تتبناه وتموله وتوجهه السعودية، في تقاسم فاضح وواضح لتلك المناطق ذات الثروات والمواقع الاستراتيجية بين الدولتين الخليجيتين، وفق ما كانتا ولا تزالان تحلمان به.

 

وبعيداً عن تفاوض السعودية مع سلطات صنعاء رغم مراوغة الرياض وتملصها عن ما أبدت موافقتها على تنفيذه، ظلت المكونات اليمنية الموالية للتحالف بكل مسمياتها، وفي مُقَدَّمِها الحكومة والرئاسي، تشن حملات إعلامية مناهضة لكل خطوات التفاوض، واعتبرت ذلك خيانة وتخلياً سعودياً عنهم، مع أن شروط صنعاء كانت موضوعة بمعايير مصلحة اليمنيين كافة، وحين تكشفت النوايا الحقيقية من مماطلة السعودية في تنفيذ ما اتفقت بشأنه مع صنعاء، من خلال التحركات الأخيرة في حضرموت وارتفاع معدلات تدهور الأوضاع في عدن وغيرها، معيشياً وخدمياً، لم تتناول تلك المكونات ما يحدث على سبيل المكاشفة، رغم كل ما تجلى على الواقع من مشروع تقسيمي لليمن، سيدفع الجميع ثمنه، بل ظل أتباع التحالف يتحركون في الدائرة نفسها التي وضعهم فيها منذ البدائية، من خلال الهجوم المتواصل على سلطات صنعاء كونها العدو الافتراضي الذي وجّه التحالف وعيهم للتعامل معها على هذا الأساس، متجاهلين تماماً أن الشرعية في ذهنية ونوايا السياسة السعودية لم تكن سوى مطية أوصلتها إلى حيث شاءت، وأصبحت تجاهر الآن بهذه الحقيقة وتفرضها أمراً واقعاً تعجز جميع المكونات عن مواجهته، ولا يظهر في المشهد اليمني من هو مستعد للتعامل معه سوى صنعاء.

 

منذ الإطاحة بهادي وطاقمه، وحتى تشكيل مجلس حضرموت، تتلاعب السعودية والإمارات بأدواتهما التي أُطلق عليها الشرعية، إزاحةً وتبديلاً وتغييباً، بأبشع الطرق إذلالاً وإهانة، ومشروع تقسيم اليمن لا يزال قائماً والاستحواذ على الثروات والمواقع يزداد تمدداً وتوسعاً، ومكونات الشرعية غارقة في الخوف على فقدان مصالح قياداتها، ومنشغلة تماماً بالصراع الموجه من التحالف مع بعضها البعض، والمواطنون وحدهم يدفعون الثمن من معيشتهم البائسة وأمنهم المفقود وكرامتهم التي تُنتهك كل يوم، ويتغاضى الجميع ويتجاهلون، والمنصف فيهم يضع كل ذلك جانباً ويتعامى عن الأخطار الحقيقية ولا تراه إلا متحدثاً بطلاقة على شاشات فضائيات التحالف داعياً إلى مواجهة قوات صنعاء وتحرير العاصمة، رغم كل الواقع المنهار من حوله، كما لو كان رجلاً آلياً لا يتحرك ولا ينطق إلا حسب ما تمت برمجته.

 

أما أبرز تجليات الواقع في المحافظات التي يسيطر عليها التحالف والشرعية، ونتيجة سياسات السعودية والإمارات التوسعية التمزيقية، في الجحيم الذي يكتوي به مواطنو مدينة عدن الذين تجلدهم ليل نهار سياط حرارة الصيف، وانقطاع الكهرباء نتيجة تغوّل فساد الشرعية في هذا القطاع الخدمي الأكثر أهمية، بينما تتزاحم عائلات قيادات الحكومة والانتقالي على صالات مطار عدن هرباً من حرارة الصيف، إلى عواصم دول التحالف، وقد سلبوا من البسطاء الذي تركوهم خلفهم أبسط حقوقهم، خصوصاً في موسم عيد قد يكونوا عقدوا عليه الآمال بأن يعيشوا الفرح ولو مؤقتاً، إلا أن ذلك أيضاً كان بعيد المنال.