في كتابه الجديد الذي سنحت لي فرصة الاطلاع عليه بغرض التدقيق والمراجعة اللغوية وسيصدر قريبا عن دائرة التوجيه المعنوي أجاب الباحث عبدالله بن عامر عن الكثير من التساؤلات البديهية والمنطقية الدائرة في ذهن القارئ والمهتم على مستوى اليمن والبلدان العربية فيما يتعلق بتاريخ الصراع العربي الصهيوني بشكل عام والتدخل الإسرائيلي في اليمن أشكاله وأسبابه بشكل خاص .
مبررات وأسباب وأشكال التدخل
تبرز أهمية الكتاب في كونه أول دراسة بحثية تاريخية كشف فيها الباحث تفاصيل الكثير من الأحداث والوقائع المتعلقة بحجم ومستوى ونوعية الأطماع الصهيونية في اليمن والبحر الأحمر والملفات التي اتخذ منها الكيان الصهيوني مبررا للتدخل في اليمن وعلى رأس هذه الملفات الجغرافيا وتحديدا البحر الأحمر وباب المندب وما تشكله هذه المنطقة من أهمية حيوية بالنسبة للكيان الإسرائيلي ، إضافة إلى ما شهدته العقود الماضية من تدخلات إسرائيلية غير معلنة كالتجسس واستقطاب القيادات والمسؤولين واستدعاء التاريخ والوجود اليهودي في اليمن كمبرر لتمرير مشاريع التطبيع والتجنيس وغيرها من المشاريع الهادفة إلى تحويل اليمن إلى دولة صديقة تدور ضمن الفلك الإسرائيلي الأمريكي لضمان حماية مصالحهما في الجزر وباب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر وكذلك إبعاد اليمن عن حقيقته كمركز ثقل ديموغرافي في الجزيرة العربية وتعطيله عن أداء دوره تجاه القضية الفلسطينية.
مستوى ونوعية الأطماع
وإلى جانب ما حشده الباحث من معلومات تبين مستوى وحجم الخطر الصهيوني ، الذي أصبح يحيط بشعوب الأمة العربية والإسلامية جمعاء ، وحجم ومستوى ونوعية الأطماع الصهيونية في اليمن والبحر والأحمر مستدلا على ذلك بمجموعة من الأحداث والمواقف التي وثقها مؤرخون وتحدث عنها كتاب وأشار إليها باحثون وأكدتها الوثائق وتؤكدها الوقائع .
ومنها تصريحات لقادة وخبراء إسرائيليين ووثائق تتضمن الكثير من تفاصيل أعمال وأنشطة الكيان الصهيوني التجارية والأمنية والاقتصادية وتدخلاته العسكرية في اليمن التي ظلت في غياهب التغييب المتعمد سواء بفعل فاعل أو بفعل انصرافنا عن القراءة والبحث والاستقصاء أو كانت محاطة بالسرية الشديدة حتى جاء الوقت المناسب لكشفها ونشرها .
قراءة تاريخية موضوعية
وبهدف تجاوز الواقع المأساوي المحيط بشعوب الأمة العربية والإسلامية جمعاء وشعبنا اليمني خاصة وفقا لأسس ومنطلقات تشمير السواعد وتحفيز العقول واستنهاض الإرادة وخلق العزيمة وابتكار الفكرة وخوض غمار المبادرة في صياغة الحاضر ورسم ملامح المستقبل كما نريد نحن .. لا كما يريده العدو الصهيوني .. فقد فند الباحث من خلال القراءة التاريخية الموضوعية المتجردة من العواطف .. أسباب العداء الصهيوني للأمة العربية والإسلامية ولليمن وأطماعه التوسعية في المنطقة وفي البحر والبر اليمني والوسائل والأساليب التي اتبعها لتحقيق هذه الأطماع .
الترويج الصهيوني لثقافة التطبيع
ومنها على سبيل المثال ترويجه الإعلامي المكثف خلال الآونة الأخيرة لشعارات ومصطلحات الترسيخ لثقافة التطبيع ومحاولة فرضها على الوعي الجمعي العربي كبديل لثقافة التمسك بالحق الفلسطيني والانتصار للقضية الفلسطينية من خلال نشر وتعميم مفاهيم ومصطلحات ومواقف من شأنها الإسهام في تغييب الحقائق وطمس الأحداث التاريخية وتزوير الماضي وتزييف الواقع وتهيئة البيئة المواتية لرسم ملامح المستقبل وفقا للصيغة والاستراتيجية الصهيونية .
من نحن .. وأين نحن .. وماذا نريد ؟!
ولتحقيق هدف الصمود والمواجهة والتصدي والإفشال للمؤامرات والمخططات الصهيونية أكد الباحث على أهمية أن يعرف كل عربي بشكل عام وأن نعرف نحن اليمانيين أين نحن .. وماذا نريد .. وأن نستوعب حجم تلك المخاطر الصهيونية والأمريكية المحدقة بنا سواء تلك التي أسهمنا نحن بمواقفنا وثقافاتنا في تعميقها كأزمات مرحلة ومشاكل مؤجلة أو بفعل الأطماع الخارجية والتدخلات الأجنبية .
حجم ومستوى الأطماع
وفي هذا السياق تضمن الكتاب الكثير من التفاصيل التي توضح أسباب التدخل الإسرائيلي في اليمن وكذا تفاصيل مجموعة من الأحداث والمواقف التي ظلت بعيدة عن الذاكرة اليمنية والتي تكشف حجم ومستوى الأطماع الإسرائيلية وإلى أية مستويات وصلت تل أبيب في تنفيذ أجندتها المتعلقة باليمن .
إضافة إلى الإجابة على عدة أسئلة أبرزها لماذا يهتم الكيان الإسرائيلي باليمن ، ولماذا يصر على أن يكون له تدخل يصل إلى مرحلة ضمان أن يكون حاكم اليمن صديقا له، وما هي المصالح الإسرائيلية في اليمن وفي منطقة جنوب البحر الأحمر وباب المندب ؟! ..
وكيف انتقل الصراع العربي الإسرائيلي إلى هذه المنطقة الحيوية ولماذا تخشى تل أبيب من إغلاق باب المندب أو التأثير على حركتها التجارية .. وكيف أن اليمن بات البلد العصي على الخضوع للأجندة الإسرائيلية.. دون عن بقية بلدان البحر الأحمر .
أحداث ما بعد حرب 1973م
وعلاوة على ما تقدم فقد أزاح الباحث الستار عن كثير تفاصيل وقائع وأحداث الصراع العربي الإسرائيلي والصراع اليمني الإسرائيلي ، التي ظلت مغيبة عن ذاكرة التاريخ رغم أهميتها كالأحداث والمواقف التي تبعت حرب 1973م وإغلاق باب المندب والخلاف اليمني الإسرائيلي في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي والاعتداءات العسكرية الإسرائيلية على مواقع الجيش اليمني في باب المندب وكيف شكل التحدي اليمني للكيان الإسرائيلي بداية التآمر على الرئيس الحمدي والإنقلاب عليه.
مشاريع التجنيس والتطبيع
كما يتضمن الكتاب الكثير من تفاصيل عمل واهتمام المنظمات الصهيونية بنقل اليهود الذين كانوا يتواجدون في اليمن لنقلهم إلى فلسطين المحتلة وكذا ما كشفته الوثائق من محاولات تجنيس ما يقارب 60 ألف يهودي أمريكي وإسرائيل بالجنسية اليمنية ضمن مخطط السيطرة على اليمن عبر الاتفاقيات السرية بين إسرائيل وسلطة الرئيس السابق صالح . إضافة إلى اللقاءات والزيارات المتبادلة وعملية التطبيع غير المعلنة وكيف تم الترتيب لها.
وثائق تنشر لأول مرة
مرة أخرى تبرز أهمية التأكيد على أن أهمية هذا الكتاب التاريخي تكمن فيما يتضمنه من وثائق ينشر بعضها لأول مرة إضافة إلى ما يستند عليه من مراجع بحثية ركزت على قضية باب المندب والبحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي وكذلك الجزر اليمنية ومن خلال الاطلاع الكامل على البحث سيتمكن القارئ من تشكيل صورة متكاملة تسهم في تفسير الاهتمام الإسرائيلي باليمن خلال السنوات الأخيرة وسيدرك أن هذا الاهتمام تقف خلفه عدة أسباب من الجغرافيا إلى التاريخ وإلى المجتمع وموقع اليمن في الصراع وأهميته وعوامل قوته وسيتوصل إلى الاستنتاجات المنطقية من خلال عكس الوقائع التاريخية المذكورة على الواقع الحالي .