صراع السياسات الترفيَّة الخليجية !

 YNP - قيـــس الــــوازعي :

حينما يئس ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من مجاراة السياسة القطرية الماهرة في إدارة ألاعيبها  ، وكلاهما ينتهج سياسة شيطانية، ويئس إعلامه، أيضًا، من إقناع المنطقة بخطورة السياسة القطرية، قرر المصالحة مع دولة قطر، بعد نزالات مكلفة ومرهقة. متنازلًا عن الشروط التي اشترطها هو وحلفاؤه لوقف المقاطعة وأعلن دعوته لمؤتمر المصالحة الخليجية في مدينة العلا السعودية، قائلًا إن المصلحة العربية والخليجية تتطلب المصالحة والعودة إلى علاقات سوية تخدم الجميع.

كانت دولة الكويت قد لعبت دور الوساطة الجادة والمضنية بين الأطراف المعنية بما عُرف يومها بالأزمة الخليجية. وكان هدف المصالحة الأول هو إعادة الروح التعاونية لمجلس التعاون الخليجي، بعد سنوات من إهماله وتوقف أنشطته، التي أُنشئ من أجلها.

ودولة الكويت مشهود لها حرصها على وحدة الصف الخليجي والعربي، عمومًا. ومشهود لها دعمها الاقتصادي والسياسي للقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

ويوم الخميس الماضي تفاجأ الجميع بجديد غير متوقع في السياسة الكويتية، كان أول المتضررين منه مجلس التعاون الخليجي ذاته، الذي قادت وساطتها الخليحية من أجله!

فقد أصدر مجلس الأمة الكويتي قرارًا قضى بالموافقة المبدئية على (تغليظ) العقوبات على التطبيع والمطبعين مع إسرائيل. مخالفًا بذلك المناخ السياسي العام السائد في منطقة الخليج.

معتبرًا القرار الجديد (تعديلًا يسدد الثغرات) في القانون السابق، الذي يحظر التطبيع مع الكيان الصهيوني. مؤكدًا على أن هذه التغليظ يأتي استمرارًا لتضامنه الدائم مع نضالات الشعب الفلسطيني. وقال إن هذا الإجراء يأتي ردًّا على الجرائم الإسرائيلية الأخيرة بحق الشعب الفلسطيني. وأنه، أيضًا، يأتي استجابة لموقف الشارع الكويتي. وعزز دعواه هذه بحملة إعلامية من الشارع، كالت الإساءات للدول الخليجية المطبعة مع إسرائيل.

هذا الموقف الكويتي، الذي عزاه بعض المحللين السياسيين إلى وجود تكتلين اثنين داخل المجلس (إسلامي إخواني وشيعي يوالي إيران )، كلاهما يناصران حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة، هو موقف  يعاضد ويساند الموقف القطري من حماس، على حساب مواقف الدول الخليجية المطبعة منها علنًا مع إسرائيل (الإمارات والبحرين) والمطبعة سِرًّا (كالسعودية). وذلك معناه الإبقاء على مجلس التعاون في حالته المَرَضية التي كان عليها، قبل مصالحة قمة

 ( العلا)، وذلك، بالضبط، ماتريده دول إقليمية تناصبه العداء، منذ تأسيسه في العام 1981م!

خطورة السياسة القطرية، التي أرهقت نظيرتيها السعودية والإماراتية، منذ وصول الأمير حمد بن خليفة آل ثاني إلى كرسيِّ الحكم، تكمن في مقدرتها على الجمع بين الأفكار والرؤى المتناقضة والتعامل بمهارة مع  الشيء وضده.

 فهي مع التطبيع وضده في آن!

تدعم إسرائيل سِرًّا بالمال لبناء المستوطنات، بدعوى شراء موافقتها للسماح بتمرير المساعدات للشعب الفلسطيني. وهي في الحقيقة تطبع سِرًّا وتقيم علاقات جيدة مع إسرائيل!

وعند قراءة إحصائيات الدعم القطري للشعب الفلسطيني نجد أن أكثره يذهب لحركة حماس في قطاع غزة. وكأن من في الضفة الغربية وغيرها ليسوا فلسطينيين! إنها تفعل العكس ،تمامًا، لما تريده وتعمل به السعودية ودولة الإمارات حينما تقدمان مساعداتهما للشعب الفلسطيني!

 بمعنى أن المسألة من وجهة نظر هذه الأنظمة الخليجية الثلاثة، لاعلاقة لها بالعروبة ولا بالإسلام ولا بالإنسانية، مطلقًا، وإنما هي امتداد لمعاركها المستعرة في المنطقة عموما! 

رفضت قطر، بشدَّة، مطالب السعودية والإمارات بإغلاق قناة الجزيرة، كأبرز شرط للمصالحة، كونها، من وجهة نظرهما، أهم سبب يعكر صفو العلاقات مع قطر. لكن دهاء السياسة القطرية استغل هذا الطلب عالميًّا لصالح موقفه!

فقد ادَّعت (قطر) أن القناة منبر إعلامي تنويري محايد، تعمل في إطار حرِّيَّة الإعلام وأن هذه القناة مستقلة تعمل بمنأى عن سياسة دولة قطر.

أيد هذا الموقف القطري دول العالم الغربي والعديد من المنظمات ودعاة الحرية الإعلامية، لينعكس هذا الطلب نظرة سخرية واستهزاء واتهام بالدكتاتورية في وجه المطالبين به.

لكن القناة المحايدة، المستقلة تحولت مئة وثمانين درجة، عندما نشبت المواجهات عسكريًّا بين حماس وإسرائيل متخلية عن حياديتها وعن استقلاليتها، لتصبَّ في مجرى السياسة القطرية، المخالفة لسياستي السعودية والإمارات. وبذلك حصدت قطر تعاطف الشارع العربي والإسلامي ولم تبقِي للسعودية والإمارات سوى مالا يرضيهما من الشتائم ومواقف الاستنكار والاستياء.

فما الذي أبقته السياسة الإعلامية القطرية لشركائها في مصالحة قمة العُلا بعد هذا ؟

ثم مالذي أبقته السياسة الكويتية لإحياء مجلس التعاون بعد قرار مجلس الأمة الأخير؟

تجلى الغيظ والسخط السعودي الإماراتي من قناة الجزيرة القطرية اليوم الاثنين في مشهد عرضته القناة لسفير الإمارات لدى إسرائيل وهو يشكو، بمرارة واضحة، القناة والإخوان المسلمين لكبير الحاخامات في إسرائيل، وكأنه يستجدي منه نجدة للانتقام، في مظهر يثير الشفقة!  

السياسة القطرية تزاحم، بقوة وجرأة، سياسات الدول الخليجية، بالذات السعودية والإماراتية، على عتبات العلاقات الغربية والعالمية. وفي الوقت ذاته تقيم أوثق العلاقات مع إيران وتركيا؛ العدوين اللدودين للسعودية والإمارات !

بسبب هذا الدهاء الماكر في السياسة القطرية ودبلوماسيتها المرنة اضطرت السعودية والإمارات لتصميم سياسة مشتركة بينهما تصل حد التماهي، تجاه الكثير من قضايا المنطقة والعالم، مع الإبقاء على هامش سياسي صغير يتيح لكل منهما التحرك داخله، بما يخدم مصالحه الخاصة الضيقة.

فالتوجه الإماراتي المفاجئ لإعادة العلاقات مع نظام بشار الأسد ليس سببه اكتشاف إيجابيات ذلك النظام وإنما سببه استباق أي تقارب تركي ـ سوري، محتمل. وفي دمشق تعمل السياسة الإماراتية على التمهيد لعودة العلاقات الدبلوماسية السعودية مع نظام بشار الأسد، لنفس السبب. أي أن الدولتين اللتين دعمتا المعارضة السورية طويلا، واشترطتا إخراج بشار الأسد من إية معادلة للمصالحة في سورية، قد تخلتا عن الشعب السوري وعن ممثليه في المعارضة، وقبلتا بنتائج الانتخابات السورية الأخيرة، التي فاز فيها بشار على( منافسيه) بنسبة تزيد عن 95%!

هذا التماهي أتاح لسياسة كل منهما إمكانية خدمة بعضهما، من دون محاذير ولا موافقات مسبقة. لذلك نلاحظ صدور سياسات منهما غريبة، طالما صَعُب علينا تفسيرها!

فما تفعله السياسة الإماراتية في اليمن ـ مثلًا ـ هو،  بالضَّبط، ماتريده السعودية! والعكس بالعكس، أيضًا. فما تفعله السعودية في اليمن هو، بالضَّبط ما تريده الإمارات! وكل ما تفعله الدولتان في اليمن وباليمنيين هو مايريده الرئيس هادي، المنخرط معهما في قصة ولاء أو تبعية مخزية، غير مسبوقة!

ولاتزال النوايا الحسنة لبعضنا تدفعهم لمطالبة الرئيس هادي والسعودية بإخراج الإمارات من قوام التحالف اللعين! ولم يخطر على بال معظمنا أن السعودية هي الإمارات وأن الإمارات هي السعودية، وأن اليمن بموقعه وخيراته هو محل مطمع الشريكين كليهما! 

وبعد.. ليس على أحد منا، بعد الآن، أن يجهد عقله أو يطلق عنانه للحديث عن أيهما التابع وأيهما المتبوع! والفضل في ذلك للسياسة القطرية الخطيرة التي تغلبت على سياستي البلدين وأربكتهما كل الإرباك.

  • الاثنين 31 مايو 2031م.

 

 

 

..