الصراع ينخر الأسرة المالكة

YNP - إبراهيم القانص :

التكتم والتعتيم، سياسة تستخدمها العائلة الحاكمة في المملكة السعودية، على كل ما يدور في أروقة ودهاليز قصور الحكم الملكية، حتى تحتفظ بهيبتها أمام مواطنيها وفي محيطها الإقليمي، لتظل في أعينهم متماسكة وممسكة بزمام الأمور تجنباً لخروجها عن السيطرة ذات يوم، ونتيجة لسياسة التعتيم تلك يتعرض أمراء مقربون جداً من الملك إلى أنواع من الظلم والتعسف في حال أبدى أحدهم اعتراضاً على بعض السياسات الخاطئة، على المستوى الداخلي أو الخارجي،

وحين تتسرب معلومات عن خلافات بين أفراد الأسرة الحاكمة، كانت تظل في حكم الشائعات التي تُتداول سراً ولا يجرؤ أيٌّ كان المجاهرة بها تجنباً للوقوع في ورطة لا خلاص له منها، وخوفاً من البطش الذي قد يناله على يد أجهزة الأمن والمخابرات السعودية، حيث تعتبر تلك الأجهزة أدوات تنكيل وقمع بيد الملك وحاشيته المقربة.

 

خلال السنوات الأخيرة الماضية، لم يعد لسياسة التكتم على ما يحدث في البلاط الملكي السعودي أي جدوى؛ حيث ينشر ولي عهد السعودية محمد بن سلمان غسيل عائلته الحاكمة أولاً فأول، بسياسته الهوجاء التي بناها على أساس إزاحة كل من يمكن أن يقف في طريق اعتلائه عرش الحكم، مهما كانت درجة القرابة بينه وبين من اعتبرهم عراقيل وعثرات في طريقه إلى الحكم، وقد بدأ بمن كان يفترض أنه ولي العهد الشرعي للمملكة، الأمير محمد بن نايف، الذي يقبع الآن في أحد السجون تحت التعذيب المتواصل الذي أفقده القدرة على الوقوف على قدميه، وحرمانه حتى من تلقي الرعاية الطبية التي تستدعيها حالته الصحية المتدهورة، حتى والدته وهي أقرب الناس إليه وضعها تحت الإقامة الجبرية لمجرد اعتراضها على توليه أي منصب سيادي كونها تعلم يقيناً أن سلوكياته ونفسيته لا تؤهله لذلك، حسب ما أكدته الكثير من المصادر، ولأول مرة منذ تأسست المملكة يحدث ذلك القمع الرهيب لأفراد العائلة الحاكمة وأركاناتها وشخصياتها الاعتبارية، حتى النساء تعرضن للاعتقال والنفي ومصادرة الأملاك وغيرها من الإجراءات التعسفية الجائرة، على يد أصغرهم سناً وأكثرهم عجرفة وطمعاً في الاستحواذ على السلطة المطلقة، ولم يُبقِ إلى جانبه سوى مؤيديه حتى وإن كانوا من خارج الأسرة، لكن هذا التطور الدراماتيكي أوجد أيضاً حالة من الإجماع على كراهية ولي العهد والتربص به وانتظار الفرصة المواتية فقط، للإطاحة به أو اغتياله، وهي أمنية كل أقربائه باستثناء القليل جداً ممن احتفظوا بعلاقتهم به. 

 

ويبدو الآن أن محمد بن سلمان بدأ يحصد ما زرعه في أوساط العائلة الحاكمة من البطش والتنكيل وسلب الأملاك، وقد بدأت دائرة التربص تحيط به، فخلال الأيام القليلة الماضية وأثناء زيارة ولي العهد لأحد القصور الملكية في العاصمة الرياض أطلق أحد الحراس النار باتجاه موكبه محاولاً اغتيال الأمير، إلا أن المحاولة لم يكتب لها النجاح، حسب ما ذكرته مصادر إعلامية دولية، وكالعادة تكتمت السلطات على الحادثة وأحاطتها بسرية كبيرة، لأسباب تتعلق بالأوضاع غير المستقرة للنظام الملكي، إلا أن وكالات دولية قالت إن مسئولين أمريكيين تلقوا تصريحات سرية من مصادر أميرية أكدت وقوع الحادثة.

 

ويرى مراقبون أن المعارضة الواسعة والمتنامية داخل البلاط الملكي السعودي لاعتلاء محمد بن سلمان عرش الحكم، تشير إلى أن محاولة اغتياله كانت مخططة من أمراء مقربين نالتهم الإقصاء والبطش، موضحين أن المحاولة جاءت في وقت يكثف ولي العهد مساعيه وجهوده للتعجيل بالسيطرة المطلقة على الحكم، وسط الصراعات الدموية والسخط المتنامي عليه من أبناء عمومته الذين جردهم من كل أملاكهم وصفاتهم الاعتبارية ومناصبهم الشرعية في منظومة الحكم.

 

المراقبون أكدوا أن أمراء آل سعود مجمعون على أن ولي العهد محمد بن سلمان أصبح خطراً كبيراً يهدد مستقبل النظام السعودي، بسبب الحرب الخاسرة التي ورط فيها بلاده في اليمن، وفشله سياسياً واقتصادياً، وقبل ذلك إقصاء جميع أبناء عمومته من الحكم في محاولة جريئة لحصر حكم المملكة في عائلة سلمان بن عبدالعزيز، الأمر الذي رفع وتيرة الخلافات داخل الديوان الملكي، ووسع دائرة التربص بالأمير ومحاولات التخلص منه.