مسئولو الشرعية يعترفون بما أنكروه منذ بدء الحرب

YNP -  إبراهيم القانص :

الفهم المتأخر والإدراك البطيء جداً والقراءة الخاطئة لما يحدث حتى وإن كانت المعطيات واضحة؛ هذه صفات مسئولي الشرعية من أعلى هرمها حتى أصغر موظف محسوب عليها، ومنذ أن أعطت الشرعية ثقتها المطلقة للتحالف بعد ما غادرت البلاد وارتمت بين أحضانه، مانحةً إياه الضوء الأخضر بل توسلته التدخل عسكرياً في اليمن، واثقةً تماماً أنه سيدعمها ويعيدها إلى البلاد، لم تدرك إلا في وقت متأخر جداً أنها كانت عبارة عن تأشيرة عبور وفرصةً ذهبية لقوى عالمية وإقليمية طامعة،

طالما بحثت عن وسيلة لنيل أطماعها وتحقيق أهدافها- القديمة الحديثة- وأجنداتها في اليمن، وبعد تفريط الشرعية في السيادة والثروات والمواقع الاستراتيجية بدأت تدرك أنها وقعت في الفخ، وأنها كانت مطية وصل على ظهرها الطامعون إلى عقر دارها وثرواتها ومواقعها، فالدعم الذي منحت في سبيله بلاداً بأكملها كان وهمياً وخادعاً، بدليل أنها لم تعد إلى البلاد ولم تحقق أي انتصار سياسي أو ميداني، بل ظلت تؤدي دوراً رخيصاً تحولت بموجبه إلى بوق يشوّه الطرف الآخر الذي اختلفت معه، وترمي عليه كل التهم والإخفاقات، بينما الداعمون الذين جاءوا حسب طلبها ينتهكون السيادة ويبددون الثروات ويدمرون مقدرات البلاد ومنشآتها بدون استثناء، ويقتلون أبناء الشعب بمختلف فئاته، ومن لم يدركه الموت قصفاً أدركه حصاراً وتجويعاً.

 

في الوقت نفسه، كانت صنعاء تحذِّر وتنصح بأن التحالف يستخدم الشرعية شمَّاعةً فقط وجسراً يعبر فوقه إلى أهداف ومصالح لا علاقة لها بما أعلنه من أهداف تدخله العسكري، وعلى هذا بنت سياساتها وتحركاتها، وانطلقت في المواجهة العسكرية أيضاً على الأساس نفسه، فكان لها أن حققت بجدارة انتصارات ميدانية كبيرة على المستوى العسكري، وعلى المستوى السياسي تبدي استعدادها للسلام والتفاوضات السياسية المؤدية إليه، ولكن بشروطها من موقع القوة كونها صاحبة الحق والمعتدى عليها، ولم تتنازل عن سيادة الأرض أو تغير موقفها من ضرورة انسحاب كل القوات الأجنبية من اليمن، ولا تزال مصرةً على المطالبة بإنهاء الانقسام المالي الذي فرضه التحالف منذ قرر نقل وظائف البنك المركزي اليمني من مقره الرئيس في صنعاء إلى عدن، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في التدهور الاقتصادي والمعيشي، إلى جانب طباعة كميات كبيرة من الأوراق النقدية بدون غطاء قانوني وهو ما أفقد العملة اليمنية قيمتها أمام العملات الأجنبية.

 

الهدنة التي تبنتها الأمم المتحدة ووافقت عليها السلطات في صنعاء، اعتُبرت إلى حدٍ ما انتصاراً لسلطات صنعاء، باعتبار أنها ستخفف قليلاً من وطأة الحصار الذي يفرضه التحالف، ووصل باليمنيين في مناطق سيطرة حكومة صنعاء حد الاختناق معيشياً، ورغم إنكار مسئولي الشرعية أن الحصار يشمل مناطق سيطرتهم وربما كانت أوضاعهم أكثر قسوة من مناطق صنعاء؛ إلا أن وسائل إعلامهم شنت هجوماً لاذعاً على الهدنة الأممية، فقد هاجمت قناة بلقيس الفضائية المحسوبة على حزب الإصلاح الهدنة المعلنة قائلةً إنها تُعدّ انتصاراً للحوثيين، حسب وصفها، مؤكدةً أن السعودية رضخت لمطالب صنعاء، وأن الهدنة تعكس النهاية الحقيقية للشرعية، خصوصاً بعد ما كشفت وكالات دولية أن حكومة هادي كانت آخر من يعلم بإعلان الهدنة، وبحسب مراقبين فتلك نتيجة طبيعية لمشكلة الشرعية الأزلية المتمثلة في فهمها البطيء وقراءتها الخاطئة لطريقة تعامل التحالف معها واستخدامها كأداة فقط لخدمة مصالحه.

 

في السياق، صحا مسئولو الشرعية متأخرين كعادتهم، بعد بدء سريان الهدنة الأممية التي وافقت عليها سلطات صنعاء، معترفين بما ظلوا ينكرونه منذ بدء الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، يتمثل ذلك الاعتراف وتلك الصحوة المتأخرة في الهجوم الذي شنه عدد من مسئولي الشرعية على التحالف وحكومة هادي، حيث اتهموهما بالتسبب في مضاعفة الأزمة المعيشية والاقتصادية التي يعيشها اليمنيون، نتيجة عسكرة التحالف للمطارات اليمنية في مناطق سيطرته، فبعد موافقة صنعاء الهدنة الأممية التي شملت فتح مطار صنعاء الدولي بواقع رحلتين في كل أسبوع على مدى شهريّ الهدنة المعلنة؛ اعترف مسئولو الشرعية بأن المطارات اليمنية في مناطق سيطرة التحالف محظورة أيضاً بل تحولت إلى ثكنات عسكرية، وهو ما كانوا ينكرونه باستمرار، فقط للنكاية بسلطات صنعاء.

الآن يطالب محسن باصرة، النائب في برلمان الشرعية، بفتح مطار الريان أمام الرحلات الخارجية، أسوة بمطار صنعاء الدولي، وعلى غراره طالب فادي باعوم- رئيس المكتب السياسي للمجلس الأعلى للحراك الثوري الجنوبي- برفع الحصار عن موانئ ومنافذ المحافظات اليمنية الجنوبية، ومثلهما أحمد الميسري، الوزير السابق لداخلية هادي، الذي دعا إلى ضرورة فتح بقية الموانئ والمطارات اليمنية، أسوة بمطار صنعاء، مندداً بتجاهل التحالف وحكومة هادي لتلك التي حولها التحالف إلى ثكنات ومقرات لقواته، في وقت كان يتوجب إلزامه بإنهاء الحصار وإعادة الإعمار، ورفع يده بشكل كامل عن اليمن، حسب تعبيره، كل أولئك وغيرهم من مسئولي الشرعية كانوا ينكرون حصار التحالف للمنافذ البرية والبحرية والجوية في مناطق سيطرته، وها هم يكتشفون أن تلك المناطق كانت ولا تزال واقعةً تحت وطأة الحصار والخنق المعيشي والخدمي، لكنهم ورغم يقينهم من ذلك ما زالوا غير قادرين على التخلص من تبعيتهم للتحالف والتحول من أدوات إلى أصحاب حق، بينما تسير صنعاء بخطوات واثقة نحو انتزاع حقوق اليمنيين كافة بمن فيهم مسئولو الشرعية.