كيف تفوّق الأشباح الحوثيون استخباراتياً على تكنولوجيا التجسس الأمريكية ؟

 YNP / إبراهيم القانص -

يتضاءل جمهور الولايات المتحدة وبريطانيا عقب كل فشل عسكري في البحر الأحمر، وعقب كل جولة من الغارات الجوية والصاروخية على صنعاء وبقية المحافظات اليمنية، ويتناقص هذا الجمهور شيئاً فشيئاً، كلما أعلن مسؤولو الدولتين أن طائراتهم وصواريخهم دمرت نسبة كذا وكذا من قدرات الحوثيين وبناهم التحتية، كل ذلك من أجل الظهور بمستوى القوة والهيمنة التي تعودوها، وصرف الأنظار عن حقيقة العجز الذي يكبر كل يوم.

 

السفن التي تنخدع بهذه التطمينات وتمخر عباب البحر الأحمر باتجاه الأماكن المحظورة لا تلبث أن تستقبل رسائل التحذير من أصوات واثقة تماماً كلما عرّفت بنفسها أنها "القوات البحرية اليمنية"، ولا تصل أي سفينة إلى النقطة المحظورة إلا وقد عرفت تلك القوات سيرتها الذاتية كاملة وبياناتها منذ نشأتها الأولى مروراً بمراحل حياتها فوق مياه البحار والمحيطات وصولاً إلى وجهتها التي لا يمكن أن تصل إليها إذا كانت أحد موانئ إسرائيل، أما السفن الأمريكية والبريطانية فأيّاً كانت وجهتها فلن تمر.

 

لا تكاد الطائرات الأمريكية والبريطانية تعود إلى قواعدها بعد قصف صنعاء وبقية المحافظات اليمنية، إلا ويظهر متحدث قوات صنعاء، العميد يحيى سريع، ببيانٍ يكشف الوجع الذي أقلعت بسببه الطائرات وقصفت للتخفيف منه، لكنه لا يخف بل تزداد مستويات الألم كلما كشف البيان عن مستوى العجز الأمريكي البريطاني عن حمايتهم السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل وكذلك سفن واشنطن ولندن، وتدرك شعوب العالم تباعاً أن هذا لا يحمل سوى تفسير واحد، هو أن الهيمنة الغربية دخلت فعلياً مرحلة التلاشي الحتمي، بعد عقود طويلة من الغطرسة والنفوذ اللذين سلبا كثيراً من الشعوب والأنظمة حريتها وكرامتها، وأن هناك قوة صاعدة غيرت المعادلات وفرضت واقعاً جديداً، وأعلنت موقفاً صارماً إنسانياً وأخلاقياً إزاء الإبادة الجماعية التي يقترفها الجيش الإسرائيلي بحق سكان قطاع غزة، وتفعل ما تفعله من أجل وقف هذه الوحشية بحق الأطفال والنساء.

 

الباحث في مركز شبكة الجزيرة، الدكتور لقاء مكي قال في حديث لقناة الجزيرة إن "الحوثيين ظهروا كطرف مدافع عن غزة بطريقة حقيقية واقعية، في زمن ندر فيه من يدافع عن غزة بهذه الطريقة"، وهذا هو أحد أسباب القوة التي مكنت القوات المسلحة اليمنية التابعة لحكومة صنعاء من فرض معادلاتها في البحر الأحمر والبحر العربي، وفي الوقت نفسه يعد أحد أسباب عجز الولايات المتحدة وبريطانيا عن حماية السفن الإسرائيلية، تحت غطاء حماية الملاحة الدولية، في وقت تدعمان إسرائيل في حربها الوحشية على غزة، وتوفران لها الغطاء الكامل سياسياً وعسكرياً ومالياً.

 

نوعية العمليات العسكرية لقوات صنعاء وكميتها، تشير إلى مسار تصاعدي غير قابل للتوقف، خصوصاً أنه يتزامن مع غارات أمريكية وبريطانية على العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات، وبيانات تقول إن منصات إطلاق الصواريخ ومخازن الأسلحة والطائرات المسيرة تم تدميرها، لكن شيئاً من هذا لم يكن صحيحاً، وتباعاً يتكشف كذبه ومغالطته، فالعمليات مستمرة والسفن المستهدفة سرعان ما تكتشف أن التصريحات الأمريكية والبريطانية كانت مزيفة وأنه تم التغرير بها.

 

ويرى مراقبون أن الغارات على صنعاء لا يتعدى هدفها الظهور بمظهر من لا يزال قوياً، وهو ما تشعر الولايات المتحدة بأنها في أمس الحاجة إليه الآن، ومن ناحية أخرى محاولة بث الرعب في أوساط الأهالي ليتم الضغط على قيادات صنعاء باتجاه وقف العمليات، وهذه مراهنة يكفي للتأكد من خسارتها متابعة الحشود غير المسبوقة في الميادين والساحات العامة كل جمعة لتأييد العمليات العسكرية وإثبات الإصرار على بلوغ الهدف، وهو مساندة الفلسطينيين ووقف الإبادة الجماعية بحق سكان قطاع غزة، حسب المراقبين.

 

وأكد المراقبون أن أماكن القصف التي تتردد عليها الطائرات الأمريكية والبريطانية، في صنعاء على وجه الخصوص، وهي غالباً مناطق مكتظة بالسكان أو محاطة بالأحياء السكنية، لا تعني سوى الفشل الاستخباراتي الأمريكي، فرغم التطور التكنولوجي وطفرة الأقمار الاصطناعية الراصدة لكل ما يدب على الأرض والطائرات التجسسية الحديثة التي لا تكاد تغادر سماء العاصمة اليمنية صنعاء وغيرها من المدن، لم تتمكن مع كل هذه الإمكانات من الحصول على معلومة مؤكدة ترصد لها أهدافاً حقيقية، فيما تظهر قوات صنعاء تفوقاً استخباراتياً مذهلاً، إذ لم تخطئ معلوماتها يوماً عن أي سفينة تم استهدافها أو استجابت للتحذيرات بدون اللجوء لاستخدام القوة.

هناك من بدأ يدرك الواقع من المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، لكن إدارتهم لا تزال تأخذها العزة بالإثم، فقد توصل البعض إلى أنه لا يمكن الاستمرار في مقاتلة أشباح وإهدار مليارات الدولارات لإسقاط طائراتهم وصواريخهم قليلة الكلفة ودقيقة الإصابة، وقد اتجه بعضهم إلى الاقتناع بأن الحل الوحيد هو وقف الحرب على غزة، وقد نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤولين أمريكيين، قولهم: "نعتقد أن الحوثيين سيحافظون على وعدهم بوقف الهجمات في البحر الأحمر إذا أنهت إسرائيل حربها في غزة".