حمى الضنك.. التحدي الفيروسي لـ"أولمبياد باريس"

YNP ـ يثير تزايد حالات الإصابة بحمى الضنك في فرنسا قلق السلطات الصحية، إذ يصفون الوضع بأنه "غير مسبوق"، مما يستدعي اتخاذ إجراءات فورية للحد من انتشار المرض. ويأتي هذا التحذير في ظل استعداد البلاد لاستقبال الألعاب الأولمبية، مما يرفع من خطورة انتقال الفيروس بين الزوار والمشاركين.

وشهدت فرنسا، منذ منتصف عام 2023، ارتفاعاً كبيراً في عدد حالات الإصابة بحمى الضنك المستوردة، إذ بلغت أعداد الحالات الجديدة أرقاماً قياسية خلال الأشهر الأولى من عام 2024.

وتشير البيانات إلى أن الغالبية العظمى من هذه الحالات (82 في المئة) عادت من جزر الأنتيل الفرنسية، مما يعكس استمرار انتشار الوباء في تلك المنطقة.

وتجدر الإشارة إلى أن حمى الضنك تنتقل عبر لسعات البعوض المصابة، ويمكن للإصابة بالمرض أن تؤدي إلى مضاعفات خطرة، بما في ذلك حمى الضنك الوخيمة التي قد تكون مميتة.

بدأت حالات حمى الضنك تظهر في فرنسا بصورة ملحوظة خلال الأشهر الأخيرة. ويعزى ذلك إلى زيادة السفر بين فرنسا والمناطق الاستوائية وأقاليم ما وراء البحار، إضافة إلى انتشار بعوضة النمر في مناطق عدة بالبلاد.

وسجلت بؤر محلية لحمى الضنك في فرنسا بمنطقة بوش - دو- رون، بواقع أربع حالات في جاردان خلال شهري يوليو وأغسطس 2023، و10 حالات أخرى في بولبون بين يوليو وسبتمبر 2023. وسجلت ثلاث حالات في مدينتي نيس خلال أغسطس وسبتمبر 2023. وفي منطقة بيربينيان سجلت بؤرة تضم 11 حالة في شهري يوليو وأغسطس 2023، وتسع حالات أخرى في جانيير بمنطقة غارد بين أغسطس وسبتمبر 2023. إضافة إلى حالات محلية أخرى في منطقتي بورغون – فرانش - كومتي، وبروفانس – ألب - كوت دازور.

وكانت باريس سجلت أكبر عدد من حالات حمى الضنك المستوردة في 2023، ورصدت 641 حالة في إيل دو فرانس، مما يمثل أكثر من ثلث الحالات المستوردة في فرنسا القارية. أي أن معظم هذه الحالات قادمة من الأقاليم الفرنسية فيما وراء البحار، حيث سجلت معدلات عالية من حمى الضنك العام الماضي بـ755 حالة في مارتينيك، و612 في غوادلوب، مما يشكل نحو ثلاثة أرباع الحالات المستوردة إلى فرنسا.

ويشير الطبيب الفرنسي، المتخصص في الأمراض المعدية، ميشال سالا إلى أن الوضعية الوبائية لحمى الضنك في فرنسا تثير قلقاً كبيراً. ويعزو ذلك إلى انتشار بعوض النمر في معظم المقاطعات.

ويلمح إلى أن الإحصاءات الصادرة عن الصحة العامة في فرنسا تشير إلى زيادة كبيرة في حالات الإصابة بفيروس حمى الضنك، مما يثير تساؤلات حول فعالية التدابير الوقائية على المستويين الوطني والإقليمي.

وعبر سالا عن قلقه من غياب نظام ترصد وبائي فعال في فرنسا، مما يضعف القدرة على رصد وتتبع الحالات بصورة كافية. موضحاً أن النظام الحالي يعتمد على شبكة صغيرة تدعى "labos3"، وتعتمد على الإبلاغ الآلي عن البيانات الفردية إلى هيئة الصحة العامة، من خلال ثلاثة مختبرات مركزية. ومع ذلك يرى سالا أن هذا النظام غير كاف لمواجهة التحديات الوبائية المتزايدة.

وشدد على ضرورة تحسين نظام الترصد الوبائي ليشمل رصد وتتبع حالات حمى الضنك خارج نطاق المختبرات المركزية. إذ يزداد القلق مع اقتراب دورة الألعاب الأولمبية في باريس، والتي من المتوقع أن تستقطب عدداً كبيراً من السياح.

وأكد أن السلطات الصحية لديها القدرة على اتخاذ إجراءات فعالة عند الضرورة، مشيراً إلى النجاح الذي حققه نظام المراقبة "لابو- أس- إي" خلال جائحة "كوفيد- 19". وللتعامل مع انتشار حمى الضنك يوصي بتحسين نظام الترصد الوبائي وتوسيع شبكة المراقبة لتشمل مناطق أكثر وتعزيز قدرات الإبلاغ الفوري.

مطلع هذا الشهر، أجرت منظمة الصحة العالمية اختباراً مسبقاً لصلاحية لقاح جديد لحمى الضنك، يدعى "TAK-003". وهو اللقاح الثاني من نوعه الذي تختبره المنظمة لمواجهة هذا المرض، وتوصي بإعطاء اللقاح للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ست و16 سنة في المناطق ذات الانتشار الكثيف للعدوى. ويعطى وفق جدول تطعيم يتكون من جرعتين تفصل بينهما ثلاثة أشهر.

وفي السياق، صرح مدير إدارة تنظيم المنتجات في منظمة الصحة العالمية، روجيريو غاسبار بأن "الاختبار المسبق لصلاحية هذا اللقاح يمثل خطوة مهمة نحو توسيع نطاق إتاحة لقاحات حمى الضنك، إذ أصبح اللقاح متاحاً الآن للشراء من قبل الوكالات التابعة للأمم المتحدة، مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ومنظمة الصحة للبلدان الأميركية".

وتتضمن قائمة منظمة الصحة العالمية للقاحات المختبرة مسبقاً لقاح "CYD-TDV" المضاد لحمى الضنك، والذي طورته شركة "سانوفي باستور".

 وختاماً فإن تضافر الجهود والتعاون الدولي سيكونان المفتاح لمواجهة هذا التهديد المتزايد. وتحتاج الدول إلى تحسين أنظمة الترصد الوبائي، وتطوير لقاحات جديدة، وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الوقاية من لدغات البعوض. وفي ظل اقتراب الأحداث الكبرى مثل دورة الألعاب الأولمبية، تصبح التدابير الوقائية أكثر أهمية لضمان سلامة الجميع، والحد من انتشار حمى الضنك.

ويشار إلى أن عام 2023 شهد تسجيل أكبر عدد من حالات حمى الضنك، إذ أبلغ إقليم الأميركتين التابع لمنظمة الصحة العالمية عن 4.5 مليون حالة إصابة و2300 وفاة. ومن المرجح أن تزداد حالات الإصابة وتتوسع رقعة انتشارها جغرافياً بسبب تغير المناخ. فهل نحن حقاً على موعد مع تحد فيروسي جديد بعد كورونا؟