كاتب سريلانكي يفوز بجائزة البوكر للرواية العالمية

فاز الروائي السريلانكي شيهان كاروناتيلاكا المولود عام 1975، بجائزة "البوكر" البريطانية عن روايته "أقمار معالي الميديا السبعة" التي أشادت لجنة التحكيم باتساع نطاق عالمها، وبجرأتها الممزوجة بالفكاهة والمرح. وهي الرواية الثانية لكاتبها، بعد أكثر من عقد من صدور روايته الأولى "الصيني" التي جلبت له الشهرة، وحازت جائزة كتاب الكومنولث لعام 2012، واستقبلت كواحدة من أهم الروايات السريلانكية. غير أن الحياة جرفته، كما يردد مراراً، فتزوج وأنجب أطفالاً منتظراً طيلة هذه الأعوام أن يختمر في ذهنه ما حدث لبلاده جراء الحرب الأهلية السريلانكية، وفي الوقت نفسه يسمح لضحايا الفظائع بالتحدث عن أنفسهم، بدلاً من تبادل الاتهامات.

وحشية التمرد في سريلانكا

يفتتح كاروناتيلاكا روايته الهجائية بمشهد من العالم الآخر، حيث يستيقظ الصحافي والمصور المتجول معالي ميتاً. للوهلة الأولى يعتقد أنه تحت تأثير حبوب مخدرة أعطاها له أحد أصدقائه، لكن الحقيقة أنه مات بالفعل، وهو الآن محبوس في عالم سفلي غرائبي، حيث يتعامل البيروقراطيون السماويون مع الوافدين الجدد، ومنهم معالي، من خلال مكتب ضرائب يحاول الأموات تخفيضها باستماتة، وتحيط به أرواح أخرى بأطراف مبتورة وملابس ملطخة بالدماء، تبدو غير قادرة على تشكيل طابور منظم لملء استماراتهم.

هؤلاء هم ضحايا العنف الذي ابتليت به سريلانكا في الثمانينيات، ومن ضمنهم أستاذ جامعي قتل بالرصاص لانتقاده جماعة نمور التاميل الانفصالية التي راح ضحية صراعها مع الحكومة، ما لا يقل عن 65 ألف شخص، ومعهم ضحايا ثوار الماركسية، أو حزب التحرير الشعبي، الذي شن تمرداً مماثلاً ضد الحكومة السريلانكية، ولم يتورع عن قتل عديد من المدنيين اليساريين والطبقة العاملة الذين اعترضوا طريقه.

هنا يشتبك مع الاشعر الإيطالي دانتي ليؤكد رأي القاص والشاعر بورخيس في الإبداع، باعتباره استنساخاً لنصوص قائمة، لكن الأساطير والفلكلور تزحم عالمه بالتوازي، وتشتبك بروح الفكاهة لدى شعب سيريلانكا الذي اشتهر بإطلاق النكات وسط أهوال الحرب، وهذا ما يجعلنا أمام "كوميديا إلهية" من نوع آخر، فبموجب أعراف هذا العالم، يسمح لكل روح بسبعة أقمار (أسبوع) تتجول فيه على راحتها لتتذكر حياة الماضي، وبعد ذلك، يتوجب عليها أن تنسى.

الراوي الفاسد

كان معالي شاهداً على تلك المجازر، وعمل وسيطاً بين بعض الفصائل المتناحرة، ولكنه كان مقامراً وملحداً وشاذاً، أي ببساطة، لدينا راوٍ فاسد عليه أن يعرف خلال هذه الفترة القصيرة من الذي قتله ويلاحقه على الأرض، وكذلك إرشاد صديقه وصديقته إلى الصور التي التقطها خلسة أثناء عمله، وهي صور تكشف الرعب الحقيقي للجرائم المرتكبة ومستوى التدخل الأجنبي والحكومي. لقد تمكن معالي من التقاط صور للوزير وهو يتابع مجموعة من المتوحشين يقومون بإحراق منازل التاميل وذبح سكانها، وصوراً للصحافيين المختطفين والنشطاء المختفين، مقيدين ومكممين ومقتولين في الحجز. هذه الصور مخبأة تحت سرير في منزل عائلته. يقول، "يريدونك أن تنسى، لأنك عندما تنسى، لا شيء يتغير"، ولكنه لا يريد كشاهد أن تصبح رؤيته طي النسيان، بل يطمح في أن "تفعل للحرب الأهلية في سريلانكا ما فعلته فتاة النابالم العارية لفيتنام".

تروى القصة بضمير المخاطب، وفي أحد المقاطع، يتأمل الراوي "لديك إجابة واحدة لأولئك الذين يعتقدون أن كولومبو مكتظة. انتظر حتى تراها مملوءة بالأشباح. يسأل آخر، هل تحصل الحيوانات على حياة أخرى؟ أم أن عقابها أن تولد من جديد كبشر؟". لقد كتب كاروناتيلاكا كارثته الوطنية على أنها قصة أشباح، كما قال، لأنه "يبدو أن الموتى فقط هم من يمكنهم تقديم تفسيرات معقولة للمأساة السريلانكية، حيث من الواضح أن الأحياء ليس لديهم دليل يتبعونه". هذه النبرة العبثية، إلى جانب الحس الكوميدي المؤثر، يحركان السرد إلى مناطق تعج بالشياطين والغول والمعذبين والسياسيين والعشاق، مما جعل هذه الرواية المليئة بالعنف التي يرويها ميت، ضاجة بالحياة.

ذهب النقد إلى مقارنة كاروناتيلاكا بسلمان رشدي وغابرييل غارسيا ماركيز في ما يخص الواقعية السحرية. أما هو فيذكر الكاتب كارل مولر باعتباره المعلم، "كتب "شجرة فاكهة المربى" عام 1993، وكان من أوائل الذين استخدموا الطريقة التي يتحدث بها السريلانكيون. اقترضت منه فكرة أن يروي رجل مخمور حكاية طويلة، هذا هو المكان الذي خرجت منه هذه العلامة التجارية للكتابة السريلانكية غير المقدرة".

تغلبت رواية كاروناتيلاكا على قائمة قصيرة مؤلفة من ستة عناوين، "تريكل ووكر" رواية العلم والأسطورة للكاتب البريطاني ألن غارنر، أكبر مرشح لـ"البوكر" منذ منذ تأسيسها عام 1969، والذي صادف يوم ميلاده الـ88، موعد الإعلان عن الفائز النهائي، مما جعل البعض يرجحون كفة فوزه، إلى جانبه الرواية السياسية "المجد" المستوحاة من مزرعة حيوانات أورويل، للكاتبة الزيمبابوية نوفيوليت بولاوايو، و"أوه وليام" الجزء الثالث من سلسلة "انغاش" للأميركية إليزابيث ستراوت، و"الأشجار" للكاتب الأميركي بيرسيفال إيفريت، و"أشياء صغيرة مثل هذه" للإيرلندية كلير كيغان التي تفضح معاملة الكنيسة القاسية للأمهات غير المتزوجات.