خريطة دراما رمضان بين المسموح والممنوع عربيا

YNP ـ غالباً ما تعلو الأصوات والانتقادات خلال العروض الدرامية الرمضانية التي تندد بالجرأة المبالغ فيها في شهر الصوم خصوصاً وأنها أيام للعبادة والتوبة والمغفرة والتعفف والزهد والإيمان، ويرون أنه لا بد وأن تكون لهذا الشهر خصوصيته وأن تتجنب المسلسلات ما يخدش العين والقلب والروح وكل ما يمكن أن يمس الأجواء الروحانية التي تميزه.

ولكن صناع الدراما والنقابات التمثيلية والنقاد يؤكدون أنه لا وجود لقواعد معينة تفرض على المسلسلات الرمضانية وتراعي خصوصية شهر الصوم بل إن الضوابط واحدة خلال الشهر

وخارجه، ويعود إلى المحطات التي تعرض العمل اقتطاع المشاهد التي ترى أنها غير مناسبة للعرض في هذا الشهر.

وبحسب النقاد أيضاً فإن بعض صناع الدراما يعتمدون رقابة ذاتية وإن كان آخرون لا يترددون في الالتفاف على بعض الممنوعات ومحاولة تبريرها علماً أن قوانين الرقابة هي واحدة في كل الوطن العربي ولكنها تطبق بشكل متفاوت بين بلد وآخر نظراً لاختلاف الثقافات والعادات والتقاليد بين بلد وآخر.

إذاً بين كل هذه الأجواء، ما هو موقف صناع الدراما والنقابات من جرعة الجرأة الزائدة في الموسم الرمضاني الحالي وكيف دافع البعض عنها وكيف هاجمها آخرون وما هي التبريرات التي قدموها؟

يعرف عن الدراما السورية بأنها الأكثر جرأة عربياً على مستوى المضمون من خلال طرحها لمواضيع تعكس واقع المجتمع ولكن الجرأة تعدت في بعض الأعمال جرأة المضمون إلى جرأة الشكل وهذه الناحية بدأت بارزة بشكل واضح في عدد من الأعمال التي تعرض في الموسم الرمضاني الحالي التي لم تخل من مشاهد الرقص والعري والمشاهد الحميمية مما عرضها للانتقادات على رغم تحقيقها لنسب مشاهدة عالية جداً.

خصوصية العادات والتقاليد

بالنسبة إلى نقيب الممثلين السوريين محسن غازي فإن دور الرقابة في كل الدول العربية هو ضبط المحتوى الفكري باتجاه احترام المجتمع والعادات والتقاليد وخصوصية الدول الأخرى وقوانينها وأنظمتها.

وقال غازي، "نقابة الفنانين السوريين شريكة مع مؤسسات أخرى لضبط المحتوى الفكري من أجل حماية المجتمع والمضامين الفكرية التي تتضمنها الدراما والتي هي عبارة عن حكايات وقصص تاريخية أو معاصرة أو تنقل بيئة معينة ويجب أن تحترم عقل المشاهد وخصوصية الأسرة والدول الأخرى وعدم التعرض لهيبتها".

وفي ما يخص الجرأة التي طبعت بعض الأعمال من خلال مشاهد الرقص وارتداء الفنانات لملابس غير المحتشمة، يرى أن "هذا الأمر يخضع لشروط محطات العرض التي يقبل بعضها بالجرأة وبعضها الآخر يكون متعاقداً على العمل سلفاً أي أنه يشتري حقوقه بالعرض الأول أو بحسب اتفاقات معينة لذلك يعود لتلك المحطات التحكم بهذا الشرط من عدمه وهناك محطات في سوريا وخارجها تقتطع ما تراه غير مناسب".

وعما إذا كانت هناك شروط معينة تفرض على الدراما السورية في الموسم الرمضاني من ناحية الجرأة في المشاهد، يشير غازي إلى أن بعض الأعمال تصور في بلاده ولكنها لا تعرض على شاشاتها وهي من إنتاج شركات محلية أو منفذة لشركات عربية كبيرة.

ويعقب، "موضوع المحتوى نفسه يعود إلى القناة التي تعرض المسلسل السوري سواء بقبوله أو رفضه، أما الأعمال التي تعرض على الشاشات المحلية فكل شيء مسموح فيها لأن السقوف مرتفعة باتجاه المضامين ولكن هناك ثوابت معينة كما في أي بلد في العالم لناحية احترام عقل المجتمع والأسرة وأن تكون الدراما موظفة لأهداف وغايات وألا تكون مبتذلة أو تجارية".

وتابع، "ما يسمح به خارج رمضان يسمح به في داخله لأن الدراما هي لكل أشهر السنة ولا توجد دراما مخصصة له ولكنه موسم العرض الأساسي الذي يستقطب الناس وطقوسه تجمعهم في أماكن وجود واحدة وتجعل برنامجهم اليومي مختلفاً عن الأيام العادية ولذلك تحظى الأعمال بالمتابعة ويتم الترويج لها على أنها دراما خاصة برمضان ولكنها أعمال فنية عامة وإلا لكنا شاهدنا الطقوس الدينية والعبادة والصلاة وأعمال خاصة بالرسل والأنبياء فقط".

وأعاد التأكيد على أن الموسم الرمضاني يوصف بأنه "فترة الذروة بالمشاهدة خلال العام وخصوصيته تكمن في التقاليد والعادات اليومية ولا علاقة لها بالدراما ولا يتم الإعداد للأعمال الدرامية لكي تكون منسجمة مع طقوسه".

ووسط اختلاف آراء الناس بين تقبل الجرأة في شهر الصوم ورفضهم لها احتراماً له كونه شهر عبادة وتعبد، يتحدث غازي عن وجود اختلاف في الثقافات والتربية يجعل البعض يقبلون بالمشاهد الجريئة كالرقص ويصفقون لها وآخرون ينتقدونها بقوة. ويضيف "كل إنسان حر في اختيار ما يشاهد وما يسمع من أغاني وما يأكل من طعام ولا يوجد رقيب على ما تقدمه شاشات التلفزة التي تعرض مواد مختلفة ومتنوعة ولكل شخص كامل الحرية في مشاهدة ما يناسبه وما يناسب تربيته وثقافته ومستوى وعيه".

السقف منخفض والهامش واحد

أما التجربة المصرية فتبدو أكثر تحفظاً وهو ينعكس بدوره على الدراما، وفي هذا الإطار يقول المخرج المصري أمير رمسيس "الوضع لا يحتاج إلى محاذير في رمضان لأن السقف منخفض داخل هذا الموسم وخارجه والهامش هو واحد، ولكن في ظل زخم الأعمال الرمضانية يمكن أن نشاهد مسلسلات أكثر تحرراً مما هي عليه خارجه بسبب زيادة عددها وليس لأن الرقابة أكثر انفتاحاً، والخطوط الحمراء هي واحدة في كل الأعمال الدرامية والرقابة لا تفرض شروطاً معينة لها علاقة بالموسم".

ويعرف عن بعض صناع الدراما المصرية أنهم يحاولون الالتفاف على شروط الرقابة بطريقة أو بأخرى لتمرير مشاهد معينة يعتبرون أنها تخدم العمل الدرامي، إلا أن رمسيس يرى أن الهامش يكون أكبر في بعض الأعمال.

ويوضح أن "هذا الوضع ينطبق على الأعمال التي يتم تصويرها خارج مصر أو داخلها والتي تكون مخصصة للعرض على المنصات وهي لا تخضع لشروط الرقابة على عكس الأعمال التي تعرض على الشاشات المصرية".

ويقول أيضاً، "الوضع في مصر لا يسمح لصناع الدراما بتمرير أفكار معينة وهناك أكثر من تجربة سمح لها بعرض بعض الممنوعات ولكنها أثارت المشكلات وأصبح هناك تدقيق أكبر في المواضيع، وعادة يتم عرض السيناريو على الرقابة للحصول على موافقة عليه مسبقاً وكذلك على الحلقات، وصناع الدراما يعرفون الخطوط الحمراء وهي الجنس والسياسة والدين والرقابة الذاتية عند الكتاب أكبر من الرقابة التي تفرض عليهم، وعندما يقدم العمل للمنتج فهو يحتاج إلى ضمانات بأنه ستتم الموافقة عليها".

رقابة ذاتية

وتبقى للمجتمعات الخليجية خصوصية معينة تبرز من خلال أعمالها الدرامية كما في عاداتها وتقاليدها، ولكنها تبرز أكثر في شهر الصوم كونها مجتمعات محافظة تربت على ثقافة معينة ولذلك يحرص صناع الدراما فيها على التمسك بضوابط معينة في المسلسلات المخصصة للعرض الرمضاني.

ويرى الكاتب الكويتي فايز العامر أن "الدراما العربية في السبعينيات وحتى أوائل التسعينيات سمحت بأمور كثيرة، وكانت الأفلام المصرية تتضمن قبلات ساخنة، وأخبرني أحد المنتجين أن السينما تعتمد على الإثارة والقبلة لجذب الجمهور أما في الدول الخليجية فإن محطات التلفزة الحكومية ومن بينها تلفزيون الكويت لديها بعض المحاذير، وهناك لجنة رقابة النصوص تراقب النص ثم تجيزه أو تضع بعض الملاحظات لإلغاء بعض الكلمات أو لإجراء تعديلات عليها".

وفي وقت أثارت المخرجة السورية رشا شربتجي سخط الجمهور بسبب مشهد إعدام القطط في مسلسل (ولاد بديعة) ووجدوه قاسياً ويروج لأعمال العنف ما لبثت أن بررته بقولها إن القطط لم تصب بسوء وتم تصويره بوجود أطباء، يؤكد العامر أن "مشاهد الخمرة والتدخين ممنوعة ونحن ككتاب رقباء على أنفسنا. وفي أحد مسلسلاتي الكوميدية (الدعلة) حذفت الرقابة حلقة كاملة منه قبل التصوير تماشياً مع قانون حماية الحيوان، كما أنها طلبت مني إجراء تعديل على حلقة من المسلسل تناول العمالة الهامشية لأنها رأت أن فيه إساءة لشريحة تعيش في المجتمع الكويتي".

ومضى في حديثه، "الرقابة على الدراما هي واحدة داخل رمضان وخارجه ولكن بعض المحطات الخاصة خارج الكويت بدأت تعرض ما هو ممنوع حتى على مستوى الطرح الجريء بينما يوجد في البلاد رقابة لاحقة تراقب الأعمال الدرامية والمسرحية، وبعض الأعمال التي عرضت كاملة على تلفزيون أبو ظبي حذفت بعض المشاهد منها على شاشات التلفزيون في الكويت، ولكننا لسنا مجتمعاً متشدداً بل يتمسك بالدين ويحترم الآخر والعادات والتقاليد ومحاذير الرقابة بسيطة ومحدودة وهي عدم الإساءة للذات الإلهية ولذات النبي محمد وللذات الأميرية واحترام العادات والتقاليد وعدم الإساءة للدول الصديقة والشقيقة، والدراما الكويتية نظيفة ولا يوجد فيها ما يؤذي عين المشاهد والمسرح للعائلة".

التجربة اللبنانية

ومع الوقت بدأت الدراما العربية تتحرر من بعض القيود التي كانت تتحكم بها ولكن بنسب متفاوتة بين بلد عربي وآخر. ويرى الناقد والإعلامي محمد حجازي أن "لشهر رمضان خصوصية رمزية ولا يوجد قانون يمنع عرض المشاهد العارية أو العاطفية الحميمة بل يترك الأمر لإدارة المحطات أن تقدر ما يتناسب مع شهر الإيمان والغفران، ومع أن الممنوعات هي نفسها في كل القرارات التي تصدر عن الرقابة في العالم العربي بخاصة العروض التلفزيونية، لكن الأعمال اللبنانية المشتركة هي الأكثر جرأة مقارنة مع نظيرتها المصرية والسورية".

ويرى أن "المنتجين اللبنانيين يستغلون شهر رمضان لتقديم أعمال تحتوي مشاهد فيها جرأة، ويعود السبب في ذلك إلى أن المجتمع اللبناني هو الأكثر جرأة عربياً والدراما فيه تعكس الواقع، والكل يتذكر القبلة بين جورج خباز وكاريس بشار في مسلسل (النار بالنار) والتي كانت حقيقية ثم أشيع عن علاقة عاطفية بينهما، أما الدراما المصرية فهي الأقل جرأة وتعتمد على التكرار حتى إنها فقدت القدرة على المنافسة إلا من خلال أعمال محدودة من بينها (عتبات البهجة) هذا الموسم".

م استعرض التدرج في تخفيف القيود على الممنوعات بقوله "في فترة الثمانينيات والتسعينيات كان يمنع تصوير مشهد يجمع بين الرجل والمرأة في مكان مقفل وكانت الكاميرا عندما تأخذ المشهد تظهر الباب، ووصل الأمر إلى حد اقتراح أن يعقد زواج مرحلي بين كل ممثل وممثلة تجمع بينهما مشاهد مشتركة ثم يتم إبطاله بعد انتهاء التصوير، فضلاً عن مشاهد أخرى كمشاهد الرقص والقبلات والعري ولكن تم التغاضي عنها مع الوقت وبموافقة مسبقة من الجهات الممولة، ويترك لصناع العمل حرية ما يرونه مناسباً، والبعض منهم يعرض القبلات والمشاهد الإباحية ويدعي أنها بريئة وتخدم السياق الدرامي للعمل في وقت تخلى صناع الدراما عنها في الغرب وأصبحت هناك أعمال متخصصة لتقديم الفن الإباحي".

وفي حين دافعت الممثلة السورية رنا شميس عن مشاهد الرقص الشرقي في مسلسل "الصديقات" معتبرة أن هذه المشاهد كانت موجودة بـ 99 في المئة بالفوازير الرمضانية التي قدمتها أهم نجمات مصر كنيللي وشيريهان، إلا أن حجازي غالطها الرأي موضحاً أن "هناك فرقاً بين الرقص الشرقي وبين ما كان يقدم في الفوازير، لأن الأول يعتمد الإغراء والإغواء في الحركة ويظهر مفاتن الجسد بينما الفوازير عبارة عن لوحات راقصة تعتمد على الفانتازيا وتتحرك فيها الفنانة داخل الديكور".

وبالنسبة إلى الجرأة في الدراما السورية، فلا شك أن الصورة تعبر عن حالة ما ومن لا يريد أن يقدم فعلاً عاطفياً حقيقياً يلجأ إلى الإيحاء وهو مطلوب درامياً ومقبول ولكن البعض يبالغون فيه ويتم تمريرها، وهذه الأعمال تتميز على مستوى المضمون والمشهدية، والأولى يمكن تمويهها بالكلام أو بالحوار ولكن المشهد يجب أن يقول وأن يتكلم وإذا لم يحقق هذه الغاية فهذا يعني أنه لم يصل إلى الناس، بحسب حجازي.