التهاب المرارة الحاد الأسباب والأعراض وطرق العلاج؟

YNP ـ يحدث التهاب المرارة الحاد (بالإنجليزية: Cholecystitis) في معظم الحالات نتيجة تجمع الحصيات وتراكمها داخل المرارة وقناتها، لنجدها مسؤولة عن نسبة 90% من حالات هذا الالتهاب (التهاب المرارة الحصوي)، في حين ينجم التهاب المرارة اللا حصوي (بالإنجليزية: Acalculous Cholecystitis) عن عوامل متعددة أخرى تصل نسبتها إلى 10% من مجمل العوامل المسؤولة عن إحداث التهاب المرارة الحاد، وفي هذا المقال، سنتعرف معاً أكثر على أسباب التهاب المرارة الحاد وأعراضه ومضاعفاته وطرق تشخيصه وعلاجه.

وظيفة المرارة في جسم الإنسان

تتوضع المرارة على الناحية الأماميّة من الوجه السفلي للكبد (بالإنجليزية: Liver)، لها شكل إجاصيّ وتتكون من القاع والجسم والجيب والعنق، ويحتوي جدارها على ألياف عضلية ملساء قابلة للتقلص، وتمتاز خلاياها المبطِنة لها بقدرة امتصاصيّة عالية.

يخرج من الكبد قناة طويلة يبلغ طولها نحو 3-4 سم تعرف بالقناة الكبديّة المشتركة، وتتصل معها القناة المرارية، لتؤلفا بذلك القناة الجامعة (قناة الصفراء)، التي يسير فيها مجموع ما يطرحه كل من الكبد والمرارة معاً، وصولاً إلى القطعة الثانية من العفج.

تجدر الإشارة أيضاً إلى وجود مصبّ للقناة البنكرياسيّة على القناة الجامعة، تسير ضمنها عصارات البنكرياس لتصل بدورها مع مفرزات الكبد والمرارة إلى العفج. دور المرارة في تخزين المفرزات الكبديّة وتكثيفها

ينتج جسم الإنسان السّليم يومياً ما يعادل 500-1000 ملليلتر من الصّفراء (بالإنجليزية: Bile) الكبديّة التي تفرز نتيجة لعوامل هرمونيّة وعصبية مختلفة، وتتركب الصفراء الكبدية بشكل أساسي من الماء، وشوارد الصوديوم، والبوتاسيوم، والكالسيوم، والكلور.

إضافة إلى الحموض الصفراوية التي يدخل الكوليسترول (بالإنجليزية: cholesterol) والشحوم الفوسفورية في تركيبها بشكل رئيسيّ، إلى جانب البروتينات والأملاح والأصبغة الصفراوية التي تعطي المفرزات الكبديّة لونها.

وتخزن المرارة الصفراء الواردة إليها من الكبد، ريثما يحين الوقت لاستخدامها بعد تناول وجبة دسمة، وتكثف المرارة أيضاً الصفراء معتمدة على قدرة خلاياها المبطّنة العالية على الامتصاص، فهي تمتص الماء وشوارد الصوديوم والكلور بشكل انتقائيّ، بما يتناسب مع الحاجة التكثيفيّة للصفراء المخزّنة ضمن المرارة.

أسباب التهاب المرارة الحاد

التهاب المرارة الحصوي

كما ذكرنا، يرجع أكثر من 90% من حالات التهاب المرارة الحاد إلى وجود الحصيات (بالإنجليزية: Gallstones) المتراكمة ضمن المرارة وقناتها، وتتشكل الحصيات نتيجة إفراز غير متوازنٍ لمجموع المواد التي تدخل في تركيب الصفراء.

فحينما ترتفع نسبة الكوليسترول إلى مستوى أعلى بكثير من الأملاح الصفراوية التي تجعلها منحلة في الصفراء في الحالة الطبيعيّة، تتراكم الحصيات الكوليسترولية غير المنحلّة في أي بؤرة من السبيل الصفراوي الممتد من القنيات الصفراوية الصغيرة داخل الكبد، ثم المرارة وقناتها وصولاً إلى القناة الجامعة التي تصب على القطعة الثانية من العفج.

تجدر الإشارة إلى أن التوضع الشائع لتكون الحصيات الصفراوية هو المرارة وقناتها، كما تشكل الحصيات الكوليسترولية ما يصل إلى نسبة 70% من مجمل الحصيات المتراكمة ضمن السبيل الصفراويّ. في حين تؤلف الحصيات الصباغية النسبة المتبقية للحصيات الصفراوية أي نحو 30%، وهي تنجم بشكل أساسيّ عن وجود البيلروبين غير المباشر الذي ينتقل مع الدم، وهو ناتج عن تحطّم خضاب الدم ضمن الصفراء.

وقد تكون الحصيات الصباغية سوداء اللون إثر احتوائها على البيلروبين الناتج عن تحطم الكريات الحمراء لأسباب مرضيّة دون غيره من الموادّ، بينما إذا أضيفت له شوارد الكالسيوم، فإننا سنجد الحصيات البيلروبينية الكلسيّة ذات لون بني، وقد تكون حصيات بنيّة اللون إذا حوت على البيلروبين والكالسيوم معاً.

التهاب المرارة اللا حصوي

يؤلف التهاب المرارة اللاحصوي نحو 10% من مجمل حالات التهاب المرارة الحاد، ويمكننا تصنيف العوامل المسؤولة عن حدوث هذا النمط من الالتهاب وفقاً للآتي:

تليّف القناة المراريّة أو انسدادها بورم. توضّع خثرات ضمن الشريان الدموي المسؤول عن تغذية المرارة، مما يتسبب في قلة الوارد الغذائي الواصل إليها فتموّت خلاياها. وجود عيوب خِلقيّة على مستوى الأقنية الصفراوية، مما يتسبب أحياناً في التهاب المرارة. حدوث التهاب المرارة في سياق بعض الأمراض العامّة الجهازية، كداء السكري مثلاً. الإنتان الناجم عن بعض أنواع الطفيليات أو البكتيريا الممرِضة كالسالمونيلا (بالإنجليزية: Salmonella). حدوث التهاب المرارة أحياناً بشكل تالٍ للعمليات الجراحيّة الكبرى.

عوامل تشكل الحصيات الصفراوية

العمر: إذ تزداد قابليّة تشكل الحصيات ضمن السبيل الصفراويّ مع التقدم في العمر. الجنس: تميل الحصيات الصفراويّة لا سيما الكوليستروليّة منها إلى التكون بنسبة أعلى لدى النساء مقارنة بالرجال، فلطالما شكّلت الهرمونات الجنسية الأنثوية عاملاً مهماً في ارتفاع معدل تشكل الحصيات الصفراويّة، إضافة إلى تأثير حبوب منع الحمل التي تتركب بشكل أساسي منها. الإصابة بالبدانة: لا سيما أن الإكثار المستمرّ من الأطعمة الغنية بالشحوم والدسم يرفع بشدّة قابليّة تراكم البلورات الكوليسترولية غير المنحلّة ضمن الصفراء. الأمراض الانحلاليّة الدمويّة: مثل فقر الدم المنجليّ (بالإنجليزية: Sickle-cell Anemia) الذي يرفع نسبة البيلروبين غير المباشر والجائل في الدم، مما يؤدي إلى تشكل الحصيات الصباغيّة وتراكمها ضمن السبيل الصفراويّ. استعمال مانعات الحمل الفمويّة والأستروجين الدوائي: خصوصاً أن الأستروجين يرفع معدل تركيب وإنتاج الكوليسترول الكبديّ الذي يدخل في تركيب الصفراء. الحالات المرضية التي تؤثر على اللفائفيّ: يعتبر استئصال اللفائفيّ (مكوّن تشريحيّ مهم، يشكل مع الصائم مجمل الأمعاء الدقيقة في جسم الإنسان)، أو الإصابة بمرض سوء الامتصاص الذي يحدث على مستواه من الأمور التي تؤثر بشدة على نسبة الأملاح الصفراوية الضرورية، كي تجعل الكوليسترول منحلاً في الصفراء، لا سيما أن هذه الأملاح يعاد امتصاصها مجدداً على مستوى اللفائفي، كي تُرسَل مرة أخرى إلى الكبد لتحقيق التوازن المطلوب في نسب المواد المكوّنة للصفراء. وجود العوامل الممرضة الخمجيّة ضمن السبيل الصفراويّ: كالسالمونيلا أو البكتيريا العقدية وبعض أنواع الفطريات، مما يؤدي إلى تشكل الحصيات الصفراويّة وتراكمها.

تأثير الحصيات المتراكمة في المرارة وقناتها

قد تنحشر الحصاة ضمن القناة المرارية أو عند مدخلها، كما يمكن لعدد كبير من الحصيات أن يتراكم ضمن جسم المرارة، مما يؤثر سلباً على طبيعة الخلايا المبطّنة لها مع وظيفتها الامتصاصيّة الفعالة.

يعيق انحشار الحصاة ضمن القناة المراريّة عملية تفريغ الصفراء باتجاه القناة الجامعة وصولاً إلى القطعة الثانية للعفج، ولطالما كان الانسداد عاملاً أساسياً من العوامل التي تؤدي إلى اتساع البؤرة المتوضعة خلفه.

لنجد بذلك اتساعاً واضحاً في الحويصل المراريّ خلف منطقة الانسداد، وتتراكم الصفراء داخل المرارة لتخرش بطانة المرارة الطبيعيّة، مما يؤدي إلى تخرب خلويّ واضح فيها قد يقود في نهاية المطاف إلى انثقاب كبير في جدار المرارة، ما لم يحدث تدخل طبيّ يعالجها. [2]

من جهة أخرى، تؤدي الركودة الطويلة لمكونات الصفراء ضمن المرارة إلى نموّ البكتيريا وتكاثرها فيما بعد، وتأتي في مقدمتها الإشريكية الكولونيّة (بالإنجليزية: E. coli)، تليها الكليبسيلا (بالإنجليزية: Klebsiella) والأمعائيات المنتجة للغاز (بالإنجليزية: Enterobacter Aerogenes)، إضافة إلى المتقلبات (بالإنجليزية: Proteus) والمطثيات الحاطمة (بالإنجليزية: Clostridium Perfringens). [2]

أعراض التهاب المرارة الحاد

لا تظهر غالبية الحصيات المرارية بأعراض سريرية تستدعي تدخلاً طبياً فورياً، ويمكن في حالات أخرى أن تتسبب بنوبات معاودة من التقلصات المرارية الشديدة إثر انحشار الحصاة ضمن مدخل القناة المراريّة، مسببة آلاماً شديدة ومبرحة قد تستمر لساعات قليلة وتتراجع عفوياً أو بعد استعمال المسكنات الألميّة.

ومع استمرار تراكم الحصيات وإغلاقها للقناة المرارية لفترة زمنية طويلة، تتصاعد وتيرة الحالة المرضيّة مسببة التهاباً حاداً في جدار المرارة، الذي يبدي أعراضاً وعلامات سريرية نقدمها لك فيما يأتي:

آلام حادّة وشديدة تبدأ في القسم العلوي الأيمن من البطن، وتلتف بشكل زناريّ نحو الخلف لتصل حتى ذروة الكتف الأيمن. الغثيان والقيء. التعرّق الغزير. ارتفاع درجة حرارة المريض في 80% من الحالات. الإيلام الناجم عن جسّ المرارة. مشكلات هضميّة غير نوعية، كانتفاخ البطن والتجشؤ الزائد وعدم القدرة على تحمّل الطعام والوجبات الدّسمة.

تشخيص التهاب المرارة الحاد

يأخذ الطبيب الفاحص التاريخ المرضيّ التفصيليّ من المريض، ويسأل عن صفات الألم وظروفه ومواقع انتشاره والمدة الزمنية التي استمرّ فيها مع ما يرافقه من أعراض أخرى (ارتفاع الحرارة أو أعراض هضمية). 

لينتقل بعدها إلى فحص المريض سريرياً، مركزاً على الصفات التي تبديها حالات التهاب المرارة الحادّ من إيلام شديد يشتكي منه المريض بعد جسّ المرارة الملتهبة، كما يسحب الطبيب عينة دموية من وريد المريض ويرسلها إلى المختبر بحثاً عن دلائل قد تبرهن على وجود بؤرة التهابية في الجسم.

فتعطي نتائج المختبر ارتفاعاً واضحاً في تعداد الكريات البيض ضمن عينة الدم المسحوبة، كما يرتفع البروتين C الارتكاسيّ، مشيراً إلى وجود بؤرة التهابيّة تستدعي العلاج، وقد ترتفع تراكيز الأميلاز المفرز من البنكرياس مع نسبة البيلروبين غير المباشر في الدم أيضاً.

قد تظهر الحصيّات الصفراوية بنسبة 15-20% عند أخذ صورة إشعاعيّة بسيطة لبطن المريض، باستخدام الأشعة السينيّة، غير أن الفحص الإشعاعيّ المؤكّد لوجود التهاب مرارة حادّ يكون عبر التصوير بالموجات فوق الصوتية أو الإيكو، حيث يظهر جدار المرارة متضخماً ثخيناً، كما تظهر الحصيات الصفراويّة.

ويفيد هذا الإجراء أيضاً في تقصي أحوال البنى التشريحية المجاورة للمرارة كالبنكرياس، إضافة إلى التحري عن وجود المضاعفات التالية للمرض وتقييم حالة السبيل الصفراوي الكامل قد تجرى فحوصات إشعاعيّة أخرى كالأشعة المقطعية (CT Scan) أو الرنين المغناطيسيّ (MRI). [3]

مضاعفات التهاب المرارة الحاد

وصول البكتيريا إلى سائل الصفراء المتراكم ضمن الحويصل المراري وحدوث الإنتانات فيه. انثقاب جدار المرارة إثر تخريش الصفراء المستمر لطبقاته. قد ينجم عن التخريش المستمر لجدار المرارة انثقاب واضح فيه، مما يخلق ممراً غير طبيعيّ، يٌطلق عليه طبياً اسم الناسور، الذي يؤمن انتقال محتويات المرارة إلى الأعضاء الحشوية المجاورة، كالعفج أو الصائم أو المعدة. تشكّل خرَّاج حول المرارة. وصول الحصيّة الصفراوية عبر الناسور إلى الأمعاء محدثة انسداداً فيها. قد تنفتح محتويات المرارة على الغشاء البريتوني مسببةً أعراضاً وعلامات لالتهاب الغشاء البريتوني الحادّ، مما يتطلب معالجة إسعافيّة سريعة.

علاج التهاب المرارة الحاد

عندما يثبت تشخيص التهاب المرارة الحاد عند المريض يخضع إلى تدبير إسعافيّ يشتمل على إعطائه السوائل والشوارد وريدياً، إضافة إلى تغطيته بالصادات الكافية للقضاء على البكتيريا الموجودة ضمن الشجرة الصفراويّة.

كما يتم تخفيف ضغط المفرزات ضمن المعدة برشفها عبر أنبوب أنفي معديّ (بالإنجليزية: Nasogastric Tube)، كما يُراقب ضغط المريض ونبضه مع نتاجه البوليّ بشكل مستمرّ ريثما يتم تحديد موعد العمل الجراحيّ الذي يجري بموجبه استئصال المرارة الملتهبة عبر التنظير، وقد انخفضت في الفترة الأخيرة نسبة لجوء الجراحين إلى الاستئصال المراري، عبر عملية فتح البطن (الجراحة التقليديّة).

وتجدر الإشارة إلى أن الخيار الجراحيّ قد يستبدل بإجراء آخر (كتفتيت الحصيات بالموجات الصادمة) في بعض الحالات المرضيّة الحرجة، التي يشكل الإجراء الجراحي فيها خطراً كبيراً، ويهدد نسبة نجاحه بشدّة، كما هو الحال لدى مرضى قصور القلب الاحتقاني أو التشمع الكبديّ أو مرضى نقص التروية القلبيّة غير المستقر وغير ذلك من الآفات.

كما أن التهاب المرارة اللا حصوي يتطلب جراحة عاجلة تُستأصل فيها المرارة الملتهبة، وهنا لا ينبغي التأخر أبداً في اتخاذ القرار الجراحيّ، خوفاً من حدوث الانثقاب المراريّ.

قد تستخدم بعض الأدوية التي تعدّل من تركيز المواد الداخلة في تركيب الصفراء بغية حلّ الحصيات المتراكمة ضمن المرارة، وليست هذه الأدوية في الحالة العاديّة سوى حموض صفراويّة تسهّل عمليّة انحلال الحصيات الكوليستروليّة، لكن يشترط في استخدامها ألا تكون المرارة ملتهبة مع صغر حجم الحصيات إلى أقل من 3 ملليلترات دون تكلّسها.

في الختام، يمكن اتباع بعض الإجراءات البسيطة لتقليل احتمالية تشكل الحصيات المرارية وحدوث التهاب المرارة الحصوي، وهي أن يحافظ الفرد على تناول وجبات صحية غنية بالخضراوات والفاكهة، والابتعاد قدر الإمكان عن تناول الوجبات الدسمة الغنية بالكوليسترول، إضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وأهمها رياضة المشي، مع اتباع حمية صحية لتخفيف الوزن الزائد لدى مرضى البدانة، لا سيما أنها تشكل عامل خطورة كبير يرفع احتمالية تراكم بلورات الكوليسترول ضمن المرارة.