الإنهيار الامريكي يبدأ من افغانستان

YNP - قيس الوازعي :
مساحة الحرية التي يمنحها الدستور الأمريكي لأي رئيس في البيت الأبيض تكفي لأن يظهر معدنه وأخلاقياته وطبائعه وقيمه الخاصة، التي يؤمن بها ويتحرك في حدودها ووفق إملاءاتها !

ولأن الدولة العظمى ( أمريكا) هي الدولة القائد، الذي يفرض سياساته وقيمه على العالم، فقد يأتي رئيس لها كالسيد جو بايدن، ضعيف الشخصية، مضطرب المزاج، غير قادر على اختيار ردة الفعل المناسبة، في الوقت المناسب، بسبب انشغاله بتصفيات حزبية داخلية، فيضع مستقبل علاقات بلاده ومصالحها في مهب الريح، كما هو الحال في موقفه من حاضر ومستقبل الشعب الأفغاني!؟


فعندما قرر سحب قوات الحلف الأطلسي من الأراضي الأفغانية كان قد علم، يقينًا، من مصادره الاستخبارية، حجم المخاطر المترتبة على الانسحاب. مع ذلك استمر على موقفه ولم يلتفت لتحذيرات مستشاريه ولا لنداءات ومناشدات أبرز سيناتورات الكونجرس، الذين حذروه من التسرع بالانسحاب، خشية وقوع الكارثة، كما نبهوه إلى مخاطر مغامرته هذه على سمعة ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن دون جدوى !؟


نعم ..قد يكون للإسراع بالانسحاب مبرراته، خشية تعرض القوات لخطر مؤامرة عدوانية حبكتها دول الجوار الأفغاني للنيل من مكانة ومهابة الدولة والجيش الأمريكيين، بل وإهانة قوات ودول حلف (النيتو)، برمته، لكن ليس من النخوة ولا من المروءة أن تهرب الدولة العظمى من المواجهة مع عصابة بدائية التكوين كطالبان، معرِّضة مصير الحلفاء الأفغان لخطر محدق ومؤكد الحدوث !؟


كان الرئيس بايدن يرد على منتقديه، ومطمئنًا الشعب الأفغاني بمقدرة وكفاءة الجيش هناك على مواجهة حركة طالبان وإيقاف تقدماتها.

كما وعد بتقديم ما أسماه ( الدعم السياسي) واللوجستي للحكومة والجيش. وزاد على ذلك أن وعد بالإبقاء على عدد محدود من قوات الحلف لحماية المطار وحماية أمن السفارات في كابل.


أدرك الرئيس الأفغاني، فورًا، هشاشة وعود بايدن وسخافة دعمه أمام سطوة وشراسة هجمات حركة طالبان المدعومة، بكل أنواع الدعم من دول الجوار الأفغاني، وبالأخص من دولة باكستان، التي أنشأت الحركة وظلَّت ،ولاتزال، تدعمها استخباريًا، فضلًا عن إمدادها بالأسلحة وبالكوادر البشرية القتالية. لأجل ذلك ذهب الرئيس أشرف غني إلى الولايات المتحدة لمقابلة السيد بايدن وإطلاعه على خفايا الأمور وعلى المخاطر المتوقعة، بغية الحصول على موقف جديد للبيت الأبيض يطمئن الأفغان إلا أنه، كما يبدو، لم يلقَ تجاوبًا كافيًا سوى وعود بالدعم الناري الجوي للجيش الأفغاني.

يعرف بايدن، من دون شك، أن القصف الجوي، مهما كان مركًّزًا ومكثَّفًا، ولو من الطائرة العملاقة (بي 52)، سوف لن يحقق هدف السيطرة على الأرض، مطلقًا. 


واصلت طالبان تقدمها ميممة وجهها نحو العاصمة كابل، مواصلة السيطرة على عدد من عواصم الولايات، حتى بلغ تعدادها إلى يومنا هذا الخميس عشر عواصم. كل ذلك يحدث تحت مرأى ومسمع الأمريكيين، وبالتزامن مع جلسات الحوار الدائرة في الدوحة، الذي تتخذ منه طالبان مضيعة للوقت حتى ينجز مقاتلوها في الميدان مهمتهم. 


أغرب تصريح أطلقه الخايب بايدن منذ عدة أيام قوله : إنه إنما سحب قواته من أفغانستان ليترك دول الجوار الأفغاني تحمل مسؤولياتها تجاه أفغانستان !؟

تجاهل بايدن مصير الحكومة والشعب في أفغانستان وذهب إلى مكايدة دول الجوار، متوقعًا لها ألا تسلم من شرور حركة طالبان التي دعموها بقصد الإضرار بالقوات الأمريكية. ولذلك فهو يعول عليها، كحركة إرهابية فوضوية، الانتقال لتوجيه شرانيتها نحو دول الجوار، خاصة بعد سيطرتها على البلاد، دون الحصول على اعترافات دولية توفر للحركة الدعومات الاقتصادية والسياسية الضرورية المطلوبة !


كيف يطالب بايدن من دول الجوار تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الأفغاني وقد علم أن البلاد مقبلة على حرب أهلية، سيكون وقودها الأسلحة والذخائر، التي ضختها تلك الدول  لحركة طالبان، خاصة روسيا ؟


والموقف السياسي الأمريكي الأكثر سخفًا واستهتارًا بحكومة كابل التحذيرات التي قالوا فيها إن طالبان إذا استولت على الحكم بقوة السلاح سوف لن تحظى بأي اعتراف دولي!

يقولون ذلك وقد علموا أن حركة طالبان عبارة عن عصابة إرهابية مناطقية قبائلية لاتطمح لبناء دولة مركزية، وليست مستعدة لتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الأفغاني! إن مهمتها تقتصر على تنفيذ مخططات الجيش الباكستاني ، الخاضع، أصلًا، لهيمنة رجال الدين المتطرفين . إنها تتلقى دعمها من باكستان ولاتحتاج لمن يعترف بها كدولة، لأنها ستكتفي بوضع نفسها وحكمها كولاية تابعة، لاغير.
18:14

وذلك بالفعل ما اقتنعت به طالبان عندما سيطرت على البلاد في عام 1996 ولم تعترف بنظامها سوى الدول الثلاث المنشئة والداعمة والممولة للإرهاب ( باكستان ـ السعودية ـ الإمارات) فقط، حتى  أسقاطتها القوات الأمريكية في عام 2001، بعد العملية الإرهابية الكبرى لتنظيم القاعدة في الولايات المتحدة الأمريكية.


منذ أيام أكدت الولايات المتحدة خستها وحقارتها بأن طلبت من مواطنيها في أفغانستان سرعة المغادرة، فورًا، على طائرات الخطوط المدنية، حفاظًا على سلامتهم. هذا التحذير يؤكد ثقة الولايات المتحدة بقرب سقوط العاصمة كابل وسيطرة طالبان على كامل التراب الأفغاني !؟

ألا يعد هذا تناقضًا صارخًا مع ما أعلنه بايدن من ثقته بقدرة الجيش الأفغاني على التصدي لقوات طالبان ؟!


اليوم، أيضاً، تقول المخابرات الأمريكية في تقرير لها بأن حركة طالبان قد تسيطر على العاصمة كابل خلال تسعين يومًا. وهي التي توقعت بعد انسحاب قوات بلادها أن أمام طالبان فترة ستة أشهر، على الأقل، للوصول إلى كابل، هذا إذا عجزت القوات الأفغانية عن التصدي لها وإيقاف زحفها!


وموقف أمريكيٌّ جبان آخر تم اتخاذه بحق من أسماهم الأمريكيون بالمتعاونين والمترجمين الأفغان. فقد تعهد الأمريكيون بإنقاذهم ونقلهم من أفغانستان حفاظًا على سلامتهم. لكن ذلك لايزال قيد الكتمان، لا أحد يدري عن مصيرهم حتى الساعة.

 كان وزير الخارجية الأمريكي قد طرح على بعض دول الخليج استقبال مجموعات من المتعاونين الأفغان. بمعنى أن الأرض الأمريكية أطهر من أن تستقبل مثل هؤلاء المتعاونين(العملاء)!؟

إنها دروس قيمة يهديها الأمريكان لضعاف النفوس في العالم، مفادها أن الذين يخونون أوطانهم سوف لن يكونوا محل ثقة الآخرين، مهما قدموا من خدمات خيانية قذرة ! 


البريطانيون كانوا أكثر مروءة ومصداقية مع من تعاون معهم من الأفغان. فقد تضمنت دعوتهم لمواطنيهم بسرعة مغادرة أفغانستان دعوة أخرى للمتعاونين للاتجاه إلى المملكة المتحدة لاستيعابهم.


والآن.. ألا يحق لنا أن نتساءل عن مصير العالم الذي تقوده أمريكا بعقلية مريضة كعقلية الرئيس بايدن، الذي فاجأنا، منذ قليل، باستغرابه من سرعة تقدم طالبان نحو العاصمة كابل، قائلَا: إن الوقت لم يعد كافيًا لأن يغير استراتيجيته الحالية تجاه الانسحاب من أفغانستان؟!

- الخميس 11 أغسطس 2021 م .