حروب عسير والمخلاف وتهامة

اعداد  – خالد أشموري :

حروب عسير السراة

في مرحلة قوة الدولة اليمنية أمتد نفوذها إلى كل عسير ذات الأهمية الديمغرافية بسبب موقعها وكثافة سكانها والاقتصادية بسبب مواردها المائية والزراعية في تلك الفترة .

وعندما انتهت الوهابية من تصفية خلافاتها مع خصومها في نجد اتجهت الى  تكثيف غزواتها على أطراف اليمن شمالاً وتحديداً إلى عسير في أواخر القرن الثامن عشر وقد استمر الصراع بين أبناء تلك المناطق والدولة السعودية الأولى لسنوات حتى تمكن عبدالعزيز بن محمد بن سعود  من استقطاب زعامات محلية تولت هي فيما بعد التوسع والنفوذ لحساب الدرعية منهم  أبو نقطة في عسير فما بين 1798ـ 1799م كانت الوهابية وقد وجدت طريقها إلى عسير السراة من خلال عبدالوهاب أبو نقطة وأخيه محمد اللذين أعلنا ولاءهما لبن سعود وعادا من الدرعية محاولين فرض نفسيهما كأمراء وقادة فاتجه حاكم عسير وقتها محمد بن أحمد اليزيدي الذي رفض الاستجابة لرسالة الأمام عبدالعزيز غير إن قبائل عسير لم تقبل بسهولة الانضواء تحت طاعة الدرعية وقد جرت معارك بين الطرفين في الفترة التي بدأت فيها الهجمات الوهابية على عسير وتحديداً في العام 1796م واستمر لعامين وأشارت إليها بعض المصادر التاريخية : وقد كانت بينهم وبين عبدالعزيز ملاحم تجهز عليها فيها سلام بن شكبان وابن قرمله وربيع وأبن قفله وكانت  عسير تجمع قبائلها فتصاولهم وجرت بينهم وبين قبائل شهران ورفيدة وعبيدة عداوات وتخطفات وآل أمرهم معه إلى الدخول في فريق يسير من عسير إلى حضرة عبدالعزيز فبايعه أبو نقطة ورغب في اتباعه وعاد  بقومه إٍلى محله ولم تكن الأيدي قد تغلبت على شئ من عسير فلذا كانوا مجبورين مصانة أموالهم ودماؤهم وسأله كتاباً فيه تعليم الناس أمر الاعتقاد وما الذي يدفع عنها الإلحاد وفي 1784م بدأت الدرعية في تسيير حملات عسكرية إلى عسير وتحديداً إلى وادي الدواسر الذي يفصل نجد عن عسير السراة واعتبرت تلك المواجهات مؤشراً على عودة التصادم اليمني النجدي ويذكر إن الوهابيين شنوا غزوات على أطراف عسير ووصلوا إلى بيشه التي تعرضت للنهب ثم دخلت قحطان وشهران وأعلنت الولاء للدرعية الأمر الذي فرض على أمير عسير وقتها شن الحرب على تلك القبائل . 

وكانت عسير السراة اقل ارتباطاً بصنعاء في تلك الفترة إذ ما قورنت بنجران أو بالمخلاف السليماني  فقد كانت تحت قيادة الأمير محمد بن احمد اليزيدي الذي تسلم الإمارة من ابن عمه مرعي بن محمد بعد تنازله عنها وما أن تقلد الإمارة حتى واجة التوسع الوهابي وشن الحرب على أتباع الدرعية من آل أبو نقطة الذين استنجدوا  بالدرعية فأرسلت جيشاً لدعمهم بقيادة ربيع بن زيد وجرت معارك بين الجانبين استمرت حتى قتل وهو يحاول التصدي لحملات الأمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود ليتولى بعده خالد بن مرعي ويكمل مشوار سلفه في مقاومة الوهابين والتصدي لهم قبل أن يلقى ذات المصير الذي لاقاه الأمير السابق ثم يتولي الإمارة سعيد بن مسلط الذي تنازل بها لآل أبو نقطة الذين تحالفوا مع عبدالعزيز وقدم لهم الدعم لتولي إمارة عسير لصالحة حيث وصلت الوهابية إلى تلك المنطقة في 1213هـ برسائل الإمام عبد العزيز حملها محمد بن عامر الرفيدي وشقيقة عبد الوهاب إلى مشائخ وأمراء عسير.

ومع ذلك لم يكن النجديون يثقون بأبناء عسير السراة وعسير تهامة أو ما كان يعرف بالمخلاف السليماني فكانوا في أكثر من مناسبة حريصين على التأكد من ولاء أبناء تلك المناطق للدرعية تماماً كما سيحدث مع والي أبي عريش الشريف حمود كما سنعرف.

ونجد من خلال تلك التفاصيل أن عسير لم تدخل طواعية ضمن دولة الدرعية أو الوهابية وإنما بعد قتال عنيف.. وقادة الوهابية في تلك الفترة لم يثقوا باستسلام تلك القبائل التي تظاهرت بإعلان الولاء للدرعية وكان من مظاهر الشك في ذلك الولاء ومحاولة تأكيده أن طلب الوهابيون من أبناء عسير حلق رؤوسهم فرفض ذلك الطلب لدرجة التهديد بمعاودة القتال مرة أخرى.

وقد سعت الوهابية في تلك الفترة لأن تكون عسير منطلقاً لانتشارها جنوب الجزيرة العربية في وقت كانت قد وصلت أخبارها إلى صنعاء ونالت أعجاب بعض رجالات الدولة اليمنية كابن الأمير الصنعاني وزير الإمام المنصور وتلميذه الشوكاني وكان هناك مبالغات عدة بشأن التوسع السعودي الأول فبعض المؤرخين ذهب إلى القول ان تعز أيضاً قد وصلت إليها الوهابية وجرى الاستيلاء على المخا وعلى كوكبان، في حين أن الحقيقة وقتها أن صاحب  كوكبان كان على خلاف من الإمام المتوكل وهذا لا يعني دخوله في الوهابية ولو بدأ متعاطفاً بعض الشيء نكاية بخصمه الإمام ثم أن دخول الوهابية كأفكار إلى تلك المناطق لا يعني السيطرة السياسية الفعلية ولو حدث ذلك افتراضاً فلم تستمر أكثر من أشهر ، فالصراع استمر لما يقارب العقدين لم يستقر للوهابية السياسية أي وضع في أي منطقة وصلت إليها في اليمن ، ثم أن بعض المناطق كـ " حجة " وكوكبان وتهامة كانت لخصومة مع صنعاء ترتبط بالشريف حمود وليس بالوهابية مباشرةً.

الوصول إلى المخلاف:

يتجدد في التاريخ مسار التوسع السعودي تجاه اليمن من خلال جبال عسير نحو تهامة عسير وصولاً إلى الحديدة، ولم يجرب السعوديون يوماً اختراق الجبال اليمنية من جنوب عسير السراة نحو صعدة مثلآً أو من خلال نجران التي ظلت عصية على النجديين طوال قرن من الزمان وسيتكرر هذا المسار في العقد الثاني والثالث من القرن العشرين فقد ظل المخلاف السليماني أو عسير تهامة البوابة الأسهل بالنسبة للسعودية للوصول إلى مناطق تهامة اليمن ولولا تأييد بعض النافذين في عسير السراة للدعوة الوهابية كـ " أبو نقطة" لما تمكنت تلك الدعوة من الوصول إلى عسير تهامة اليمن.

وعند وصولها قاومها الأهالي بشدة واستغلوا انكسارها الأول وتراجعها فجعلوا من طلب المدد من صنعاء وإشعارها بالخطر وبعد عام واحد فقط من دخول الوهابية إلى عسير السراة بدأ حسين الفلقي في نشرها شمال المخلاف السليماني وتحديداً في العام 1800م حيث كان قد التقى بالوهابيين في موسم الحج وقيل أن جماعة من عسير ( تهامة اليمن) قدموا إلى الدرعية ولما عادوا أرسل معهم  أربعة علماء يعلمونهم أمور الدين فانتقل الفلقي إلى بلدته الجعافرة (واسترهبهم بما عليه صاحب نجد من الدين والقوة) وأخذ يدعو إلى صاحب نجد وعمل على نشر الوهابية في وادي بيش وصبيا التي كان أميرها في تلك الفترة منصور بن ناصر وكان المخلاف كله تحت حكم الأشراف آل الخيرات والمعين من قبل الامام المنصور بالله علي هو علي بن حيدر وكان الملك السعودي  وقتها هو عبدالعزيز بن محمد بن سعود الذي أرسل بصحبة الفلقي الرسائل إلى آل الخيرات وآل النعمي يدعوهم للدخول في الوهابية .

معركة الحجرين :

الدعوة الوهابية لم تلق قبولاً فقد عارضها الأهالي في منطقة ضمد ما بين ابي عريش وصبيا وأجبروا حسن الفلقي على الانتقال منها وما إن علم الاشراف في المخلاف بتحركات الفلقي حتى اجتمعوا وقرروا مواجهته بعد أن كان قد لاقى اتباعاً له في الجعافرة ووادي بيش ليبدأ الصراع بين أتباع الوهابية وبين أمراء وقادة المخلاف السليماني وعلى رأسهم الشريف حمود بن محمد الذي تولى إمارة أبي عريش ...

تحركات الوهابين في تلك المناطق لم تقتصر على الدعوة الدينية فقط بل سرعان ما تحولت إلى تحرك سياسي من خلال التآمر على أمير صبيا منصور بن ناصر والمطالبة بخلعه وبالتأكيد أن إشراف المخلاف شعروا بالخطر جراء ذلك فاستعدوا له وفي الحقيقة أن التوسع الوهابي في تلك الفترة إلى مختلف المناطق في الجزيرة  لم يكن يلقى قبولاً لا من الأهالي ولا من الحكام والولاة ففي الحجاز  كان يتم سجن أتباع الوهابية وكانت هناك خلافات كبيرة بين الجانبين وبعد استعانة أمير صبيا بأمير ابي عريش علي بن حيدر  جرى الحشد والتعبئة للقتال .

وتحرك بن حيدر وحمود بن محمد بمن معهم من المقاتلين من قبائل يام في وقت كانت فيه التعزيزات الوهابية تعبر عسير السراة إلى عسير تهامة من خلال عقبة المناظر للوصول إلى درب بني شعبة وخبت السادة وتمكن الفلقي وقتها من حشد أنصاره الوهابيين وتقدموا إلى ساحل صبيا  فيما تقدم علي بن حيدر وحمود بن محمد إلى موضع مشرف علي مسيل وادي صبيا وبعد اكتشاف قيام أتباع الفلقي بردم الآبار سارع الأشراف وأتباعهم إلى القتال حتى لا يطول بهم البقاء فيكونوا بحاجة إلى الماء وجرى استنفار المقاتلين والدفع بهم للهجوم على معسكر الفلقي وبعد التحام الفريقين كانت الخسائر في صفوف الوهابين تؤكد هزيمتهم , وفر من لم يقتل أو يجرح منهم أو يقع في الأسر وكانت تلك أول هزيمة للوهابيين في المخلاف وسميت بمعركة الحجرين نسبة إلى مكان وقوعها .

تعيين حمود بن محمد :

على إثر الخطر الوهابي على اليمن من شماله الغربي المتمثل في المخلاف السليماني اجتمع إشراف المخلاف لدراسة الوضع الذي لم يهدا بعد فقد استنجد الوهابيون بالدرعية وبالتأكيد أنها سترسل حملات عسكرية تساندهم/ وتم حسم الأمر في أبي عريش على تسليم الإمارة لحمود بن محمد خلفاً لأخيه يحيى وكان هناك خلاف بين علي بن حيدر وحمود بن محمد الذي أبلى بلاءً حسناً في مقارعة الوهابيين ومنع انتشارهم في المخلاف واستمر ذلك الخلاف ثمانية أشهر انتهى لصالح حمود بن محمد وقد جرى في تلك الفترة أن يتم اختيار والي أو أمير على أبي عريش الذي يتوجب عليه العودة إلى صنعاء للحصول على موافقتها فرغم الخلاف علي من يتولى الإمارة إلى أن الجميع كان متفقاً على ضرورة العودة إلى الإمام المنصور بالله على وكان الأشراف يشعرون أن خطراً داهماً قد يؤدي إلى وقوع مالا يحمد عقباه ولهذا كان اختيارهم لحمود بن محمد ضمن الاستعدادات لمواجهة الخطر الوهابي رغم بروز حالة الأنقسام داخل المخلاف مع انحياز أمير درب بني شعبه عرار بن شار للوهابيين واتجاه أمير صبيا إلى الحياد ، لا سيما بعد توجه الفلقي إلى الدرعية وعودته منها بحملة عسكرية قوامها 1500 جندي بقيادة حزام العجماني ثم تكونت جبهة من الفلقي وعرار وحزام وزبران القحطاني ضد حمود إلا أن حمود أنتصر عليهم .

معارك واعتداءات:

تقدم الوهابيون حتى وصلوا إلى درب بني شعبه وسارعوا إلى الاعتداء على أهالي تلك المناطق الخاضعة للأمير عرار بن بشار الذي نصحه البعض بإظهار المواله للدرعية لا سيما بعد القتل والسلب والنهب من قبل الوهابيين على الأهالي وبالفعل طلب الصلح وأسكن بعض الوهابيين في منازله وقصوره فقاموا بنهبها ثم تقدمت الحملة الوهابية من عسير ونجد إلى ساحل بيش وتوقفت في الجعافرة استعداداً للحرب مع الرافضين للغزو الوهابي والمدافعين عن تلك المناطق التي يحاول الوهابية السيطرة عليها وإجبار أهلها على الخروج عن التبعية لصنعاء لا سيما أمير أبي عريش المعين من الإمام المنصور وجرت مراسلات بين الشريف حمود والفلقي عن طريق الشيخ الضمدي الذي أتهم الفلقي بالضلال، وقتها توجه عدد من الوهابيون في غزوة إلى ساحل ضمد وهجموا على قرية ملفوطة فقتلوا أهلها وسبوا النساء وحاول أشراف آل النعمي الصمود أمام الحملة الوهابية إلا أنهم فشلوا في ذلك بعد مواجهة في خبت السيد، وقتها سارع أمير صبيا منصور بن ناصر إلى مهادنة الوهابيين حتى يكفوا عنه شرهم ، واستخدم الوهابيون القوة والعنف مع الأهالي لإخضاعهم وإرهابهم فشنوا الغارات والغزوات على القرى المختلفة منها على قرية خلف ابي عريش وكل ذلك فرض على أشراف المخلاف أن يتصالحوا فيما بينهم فقد جرى الصلح بين حمود وعلي بن حيدر وأرسل حمود إلى الإمام المنصور بالله علي يخبره بالتطورات في المخلاف وأنه جرى اختياره على أبي عريش.

في تلك الفترة كان أهل الملحا قد قاوموا ببسالة الغزو الوهابي وكانت منطقتهم تكاد تكون الوحيدة شمال المخلاف التي ظلت تقاوم وبشدة لا سيما بعد أن نكث الوهابيون بالعقد الذي قطعوه بعدم الاعتداء على المنطقة وقرروا غزوها ونهبها ما دفع أهلها إلى الاستبسال واستعانوا بالشريف حمود وعلى ما يبدو أن نكث الوهابيين بالعهد كانت نتيجة تحريض سعود لهم وهو ما أورده صاحب لمع الشهاب بالقول: أمر سعود أتباعه في عسير بالقول أريد منكم أن تتعرضوا الشريف حمود وأن تؤذوه وأن تدخلوا أرضه قهراً حتى تقودوه إلى الطاعة وحشد الشريف حمود ما لديه من المقاتلين نصرة لأهل الملحا والتقى بالوهابيين في مشرف وهزمهم شر هزيمة وقد حاول البعض التقليل من تلك الانتصارات إما بوصف ما جرى على أنه كان مناوشات فقط فيما ذهب البعض الآخر إلى القول أن الجيش الوهابي كان غير معتاد على القتال في تلك المناطق فقائد الحملة خزام العجماني أمر القوات بالعودة نظراً لتعب الجنود.

معركة السلامة العليا:

أضطر أمير صبيا منصور بن ناصر إلى مهادنة الوهابيين والأمر ذاته بالنسبة لأمير درب بني محمد  شعبه عرار بن شار وقد تمسكا بموقفهما لا سيما بعد اعتراض أمير عريش حمود بن على ما بدر منهما وبالتالي يمكن القول أن ذلك الموقف جعل المخلاف ينقسم إلى شمال مهادن للوهابيين وجنوب مقاوم لهم وكان أمير أبي عريش قد قرر قتال كل من يصطف إلى جانب الوهابيين فشن الحرب على منصور بن ناصر وعرار بن شار ومما يذكر في بعض المراجع أنه خرج على رأس 500 مقاتل إلى ساحل بيش وأحرق عدداً من البيوت هناك قبل أن يتوجه إلى المعركة الحاسمة مع الوهابيين في السلامة العليا، وفي تفاصيلها أن الشريف حمود حشد المقاتلين من مختلف المناطق وعين عليهم الحسن بن خالد وأمرهم بالتقدم إلى  قرية السلامة العليا وفي تفاصيلها أن الشريف حمود حشد المقاتلين من مختلف المناطق وعين عليهم الحسن بن خالد وأمرهم بالتقدم إلى قرية السلامة العليا فيما كان الوهابيون قد تقدموا إلى السلامة السفلى ، وبادر اليمنيون بالهجوم على الوهابيين وجرت معركة عنيفة بين الجانبين ووقعت خسائر كبيرة في صفوف الوهابيين ما بين قتلى ومصابين وكان أكثرهم قد وقعوا في الأسر وكان النصر حليف الطرف المقاوم للوهابيين من اليمنيين في تلك الجهات وكان أبو نقطة قد ساند الوهابيين في تلك المعركة بـ 400 مقاتل فيما أهل الملحا حشدوا من جانبهم دعمًا لحمود أمير أبي عريش 300 فارس ثم أرسل حمود 100 مقاتل كتعزيزات ساهمت في رفع معنويات أتباعه وكان لها يد في صنع النصر في تلك المعركة.

-     المصدر: الحروب اليمنية السعودية والدور البريطاني للباحث عبدالله بن عامر – الطبعة الأولى / أكتوبر / 2020م.