حرب التحالف على اليمن تكشف كواليس العلاقات السعودية الإسرائيلية

YNP - إبراهيم القانص :
الحرب التي تقودها السعودية في اليمن على رأس تحالف عربي وإقليمي، وأوشكت على دخول عامها السابع، كانت بمثابة اللمسة الأخيرة على اكتمال أبعاد الصورة الحقيقية لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان،

الذي دأب على تقديم نفسه للعالم كشخصية حداثية وعقلية منفتحة ولكن ليس بالمفهوم الحقيقي للانفتاح الذي أثقل كاهله بإيهام شعب المملكة بأنه هو من سيخرجها من الظلمات إلى النور، ولكنه الانفتاح في أبأس صوره ومعانيه المبتذلة السطحية، حيث خفتت بوارق الأمل لدى مواطنيه بمجرد أن بدأ المشهد الحقيقي من خلال ما يبدده ذلك الأمير المتهور من ثروات بلاده على مشاريع وهمية، وبدء ظهور سياسة الانفتاح التي لم تكن كما كان مواطنوه يتوقعون أو يأملون؛ فالمسألة بعيدة عن الارتقاء بالشأن الاقتصادي للمملكة وشعبها.

الحال نفسها تنطبق على بقية المجالات، فكرياً وثقافياً وسياسياً، فالجميع أدرك تماماً أن كل تلك الضجة التي قدم الأمير نفسه للعالم من خلالها انحصرت في أنهم أصبحوا مطالبين بالانسلاخ التام عن قيمهم الدينية والمجتمعية والعروبية، بمشاريع التغريب التي أدخلها ولي العهد على ذلك المجتمع المحافظ، بل وتجاوز به الأمر إلى قمع كل من رأى أنه تعرض للخديعة والاستخفاف كمواطن سعودي، فالجميع لم يحصد من كل ذلك الضجيج، الذي أجج الطموح والآمال ورفع سقفها، سوى خيبة الأمل، فثروات البلاد تُهدر بشكل عبثي والوضع المعيشي للمواطنين يزداد سوءاً قياساً بتلك الثروات التي أحكم بن سلمان قبضته عليها، وحتى لا يحاسبه أو يقف في وجهه أحد فقد اعتقل ونفى وحاصر كل أركانات المملكة من أمراء العائلة الحاكمة مهما كانت درجة القرابة بينهم وبينه، ولم يُبقِ إلى جانبه سوى الذين ضمن ولاءهم المطلق وتأييدهم الكامل لكل سياساته حتى وإن وضعت البلاد ومستقبلها على شفير هاوية لا عودة منها، وربما تكون الحرب التي يقودها على اليمن أحد أكبر الأرزاء التي بدأت تداعياتها وأثمانها الباهظة ترتد نكالاً على سلطات المملكة وأوضاعها الاقتصادية والسياسية، يقول مراقبون.

أزالت حرب السعودية على اليمن الغشاوة التي طالما حجبت حقيقة ما يمثله ولي العهد السعودي من كارثة كبيرة على بلاده والمنطقة، بسبب سياساته الهوجاء التي تكشفت تباعاً، بل ونبشت ما ظل محجوباً لعقود عن أعين الكثيرين، نتيجة بريق المال وسطوة النفوذ السعودي، خصوصاً في المنطقة العربية، ويرى المراقبون أنه لولا الحرب على اليمن ما كان لكل هذه الحقائق أن تظهر، وتزيل الكثير مما ظلت سلطات السعودية تدعيه وتتسلق بموجبه لتجعل لنفسها مكانة وثقلاً كبيراً، إقليمياً ودولياً، وكان أن وضعت الحرب على اليمن النظام السعودي في أول نقطة نحو السقوط سياسياً وأخلاقياً وعسكرياً، فما كان بالنسبة للعرب جميعاً ثوابت وخطوطاً حمراء تعرض للهدم الممنهج والمخطط له بعناية فائقة، رغم أن ذلك النظام كان يبرز نفسه كأهم القائمين على حماية تلك الثوابت، والتي كان أبرزها الموقف العربي الموحد والثابت من القضية الفلسطينية، التي اعتبرها الجميع قضيتهم الأولى والرئيسة، إلى أن اكتشف الجميع ومنذ بداية حرب السعودية على اليمن أن النظام السعودي كان السبب الأول والأكبر في التخلي عن مساندة الفلسطينيين في حقهم بتحرير أرضهم من الاحتلال الإسرائيلي والحصول على الاستقلال، وبطرق مدروسة جيداً عمل ذلك النظام على إزاحة غالبية مؤيدي الحق الفلسطيني والواقفين إلى جانب الحقوق المهدورة والحرية المسلوبة هناك، كما لو كان مكلفاً بإزالة كل العراقيل التي قد تقف في طريق الكيان الإسرائيلي الغاصب، باذلاً من أجل ذلك الكثير، واضعاً نفسه في أحط المواقف حتى وإن سمع غير ذلك ممن يلمِّعون صورته ويرفعون من شأنه مقابل الكثير من المغريات التي تتخذ أشكالاً كثيرة، منها المنح والهبات والمساعدات، إلا أن الجميع الآن أصبح في صورة المكانة الحقيقية التي لا يمكن أن يكون النظام السعودي في غيرها.

وليس مستغرباً أن يأتي الجزء الأكبر من كشف حقيقة النظام السعودي على يد من اختار لنفسه أن يكون أداتهم الأكثر إخلاصاً وضماناً لمصالحهم على حساب قيم الدين والعروبة والإنسانية؛ يتجلى ذلك في تقرير أصدره "المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي"، كشف فيه بدون مواربة أن ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، هو صانع قرار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ويعود له الفضل في الدفع بالإمارات والبحرين إلى توقيه اتفاقيات التطبيع العلني الشامل مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وأشار التقرير إلى أن ازدراء الفلسطينيين ونفي حقهم التاريخي في حرية واستقلال بلادهم شيءٌ يعرفه الجميع عن ولي عهد السعودية، ويتمثل في اعترافه بالكيان الغاصب، وأن محمد بن سلمان بذل على مدى سنوات منذ سيطرته الفعلية على الحكم في المملكة جهوداً كبيرة وثابتة في سبيل تغيير الرأي العام في بلاده إزاء إسرائيل، متدرجاً من أجل تغيير نظرة الشعب بدءاً بالتصريحات العامة وتجميل ذلك من خلال وسائل الإعلام وتغيير المناهج المدرسية، ومشاريع التواصل بين الأديان، موضحاً أن أحد أسباب تحفظ بن سلمان وتأخيره إعلان التطبيع رسمياً مع إسرائيل هو أن الفاعلين في العائلة المالكة ينتظرون فقط انتهاء عهد والده الملك سلمان لمنع ولي العهد من اعتلاء عرش الحكم، ومنها أيضاً مدى حماية أمريكا له حيث تعتمد الولايات المتحدة استراتيجية خطيرة لإدخال اتفاقات التطبيع السعودية مع إسرائيل حيز الإنجاز المعلن، وتتمثل تلك الاستراتيجية في معالجة نقاط ضعف الدفاعات الجوية لدى السعودية.

منذ سيطرة ولي عهد السعودية على شئون الحكم في المملكة، بدأ مسئولون في الكيان المحتل يمنحونه صفات وألقاباً، في تصريحات صحافية ومقابلات متلفزة، منها أنه القائد الواعد لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، جاء ذلك على لسان سفير الاحتلال السابق لدى الأمم المتحدة، دوري جولد، في مقابلة تلفزيونية، أضاف فيها أنه مع قيادة بن سلمان للسعودية والجهود المبذولة من جانبهم سيتمكنون من وضع ما أسماه مرحلة مختلفة لمنطقة جديدة، ثم توالت تباعاً التصريحات الإسرائيلية التي كشفت ما ظل النظام السعودي يتكتم عليه لسنوات كثيرة، ومنها أن التعاون الأمني السعودي الإسرائيلي تعزز كثيراً منذ تمكن بن سلمان من غدارة شئون البلاد، وتأكيداتهم المتواصلة أن ذلك التعاون لا يزال قائماً وفي مساره الصحيح، ويكيل الإسرائيليون الثناء على محمد بن سلمان خصوصاً عندما وجه قناة العربية التابعة له بتغطية أحداث غزة الأخيرة بانحياز تام لقوات الاحتلال ضد الفلسطينيين، وامتناعه عن التعليق على العمليات العسكرية الإسرائيلية واعتباره رداً مشروعاً ضمن ما يطلقون عليه حق الدفاع عن النفس، قافزين على حقيقة أنه محتل مغتصب حق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال والعيش بسلام على أراضيهم.