الإعلام العالمي يسيّس القضايا الإنسانية وفق مصالح الحكومات والأنظمة

YNP - إبراهيم القانص :
الإعلام العربي والعالمي لم يعد مؤتمناً على التعاطي مع القضايا الإنسانية كما توجبه أخلاقيات وشرف المهنة، بل أصبح انتقائياً موجهاً وفق سياسات ومصالح وأهواء الأنظمة الحاكمة وتحالفاتها الإقليمية والدولية، فلا مكان ولا أهمية ولا اعتبار للقيم والأولويات الإنسانية والأخلاقية في ما تتعاطاه وسائل الإعلام وتسلط أضواءها عليه،

فقد أصبح الثابت في تناولاتها واهتمامها هو ما يخدم سياسة ومصالح النظام الذي يملكها، وخصوصاً في غالبية الدول العربية التي توجِّه منظوماتها الإعلامية وفق ما يرضي القوى العالمية المتحالفة معها والتي لا تزال المهيمنة والمتحكمة في مسألة إبقاء أي رئيس أو ملك عربي على كرسي الحكم أو إزاحته عنه، وهو أهم معيار تُبنى عليه توجهات وسياسات تلك المنظومات الإعلامية، فضلاً عن الهيمنة الاقتصادية الغربية التي جعلت غالبية الأنظمة العربية رهينة رغيف الخبز وغيره من ضروريات البقاء.

وبين الحين والآخر تصب وسائل الإعلام العربية والعالمية اهتمامها وتسلط أضواءها على قضايا عرضية، ويتم تهويلها وتحويلها إلى قضايا رأي عام وتوجّه اهتمام متابعيها إلى تلك القضايا وكأنها أحداث كبرى تستدعي استنفار الإنسانية جمعاء، فعلى مدى الأيام الخمسة الماضية، على سبيل المثال، أفردت القنوات الفضائية العربية والعالمية مساحات كبيرة من وقتها وأضوائها على قضية الطفل المغربي الذي وقع في بئر حفرها والده بجانب منزله ولم يردمها جيداً، وظلت تغطي محاولات الإنقاذ والجهود المبذولة في سبيل الوصول إلى الطفل وانتشاله حياً طيلةَ خمسة أيام من البث المباشر، ومثلها منصات التواصل الاجتماعي، حتى لحظة انتشاله وإعلان وفاته، وهي بلا شك أوقات عصيبة على ذوي الطفل وكرب عظيم وألم مرعب مرَّ به الطفل نفسه، ولا يمكن لأي إنسان ذي فطرة سليمة إلا أن يتألم لذلك الموقف المحزن، لكن المستغرب هو أن ملايين الأطفال في العالم يكابدون ويعانون ظروفاً أشد إيلاماً وأشد قسوةً ولا يحظون للأسف حتى بساعة واحدة تخصصها تلك القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية للفت أنظار العالم إلى مآسيهم وآلامهم التي وضعتهم فيها قوى عالمية وإقليمية وجعلتها أمراً واقعاً يعيشونه رغماً عنهم.

لم يجد أطفال العراق وسوريا وفلسطين واليمن، والكثير من أطفال العالم المضطهدون تحت سياسة القوى العالمية المهيمنة بثاً مباشراً يضع العالم في صورة ما يتعرضون له من القتل اليومي، بسوء التغذية والأمراض والأوبئة التي تفتك بهم نتيجة انعدام أو قلة الأدوية والغذاء، والتي تتحكم بها تلك القوى وتسيّرها وفق ما يخدم مصالحها فقط، ولا تكلف تلك الفضائيات نفسها العناء لنقل مشاهد وصور لمئات الآلاف من أطفال اليمن مثلاً وهم يُنتشلون أشلاء ونتفاً من تحت أنقاض منازلهم ومدارسهم التي أسقطتها على رؤوسهم طائرات التحالف السعودي الإماراتي منذ سبعة أعوام، ومثلهم أطفال سوريا وفلسطين والعراق، وأطفال عدد من دول العالم المنسية خلف واجهات الإنسانية التي تسوقها دول وأنظمة نهبت ثرواتهم وخيرات بلادهم، ووفق سياسات الأنظمة العربية الخاضعة للهيمنة الأمريكية مثلاً ترخص أرواح الأطفال كلما زاد عدد القتلى منهم، الأمر الذي يكشف مدى تضخم النفاق العربي والعالمي تجاه قضايا إنسانية لا تعني لهم شيئاً إلا بقدر ما تعود عليهم بالمصلحة والمكاسب السياسية.

اليمنيون بطبيعتهم يندفعون في التعبير عن أي قضية تستدعي موقفاً معيناً، وفقاً لما تمليه عليهم أخلاقهم وقيمهم ومبادئهم ومروءتهم التي يُعرفون بها وتُعدُّ جزءاً رئيساً من تكوينهم، ودائماً تكون مواقفهم من أي قضية يقع فيها ظلم على فرد أو مجتمع على يد قوى مهيمنة ومتسلطة، مبنية على ما جُبلوا عليه من مشاعر إنسانية وقيم دينية وأخلاقية، ولم يحدث أن بنى اليمنيون موقفاً على أساس مصلحة أو سياسة موجهة تبعاً لتوجه حكومة أو طرف سياسي، وليس غريباً عليهم التضامن مع أيٍّ كان في حال مرت به ظروف قاسية تمس حياته أو ظلم وقع عليه سواء كان انتهاكاً للحرية أو الكرامة أو سلباً للحياة، عدا من أصبح منهم جزءاً من منظومة التحالف وبوقاً تابعاً له إلى درجة أن قتل أطفال بلاده بطائرات التحالف وحصاره لا يحرك فيه ساكناً ولا يستنفر إنسانيته أو ضميره، كونه أصبح مؤدلجاً ومدجناً بقدر وسائل إعلام التحالف التي ما إن تبدي اهتمامها بقضية عرضية حتى يكون أول المتضامنين ويعبر عن أن قلبه يقطر دماً مجاراة للموجة التي تتدفق وفقاً لما يخدم سياسة ومصالح التحالف.