بعد خساراته المتوالية .. التحالف يفكك المجتمع اليمني ويؤسس لصراعات بينية طويلة

YNP - إبراهيم القانص :
بعيداً عن الحرب العسكرية والاقتصادية التي تقودها السعودية والإمارات على رأس تحالف دولي وإقليمي في اليمن، وفق أجندات دولية وإقليمية، يدير التحالف حروباً أخرى تتخذ أشكالاً وأساليب عدة، وتحدث دماراً وخراباً كبيراً تمتد آثاره وتداعياته على المدى المنظور والبعيد، محدثةً أضراراً شديدة التأثير على البنية الاجتماعية في البلد،

كونها تدار وفق أبعاد فكرية وثقافية وقيمية، تستهدف في مجملها النسيج الاجتماعي اليمني والتركيبة السكانية المتناغمة والمتآلفة، في صورة مصغرة مجترة من السياسة الاستعمارية البريطانية، بحيث أنه في حال توقفت الحرب العسكرية التي من السهل إعادة إعمار ما دمرته، سيكون من الصعب جداً إصلاح الخراب الناتج عن الحروب الأخرى، المتمثلة في زرع الشقاق وإثارة وتغذية الصراعات البينية وتشظية المجتمع على أسس مناطقية ومذهبية، ويحرص التحالف على ألّا يوقف الحرب أو يغادر اليمن إلّا وقد تركها تموج في صراعات مكلفة باهظة الثمن، وتحتاج معالجتها إلى سنوات كثيرة وجهود مضنية، خصوصاً بعد إدراكه أنه سيغادر البلاد مجبراً وخاسراً كل ما كان قد خطط له وحلم به.

الصراعات البينية التي يغذيها التحالف ويديرها ويمولها بين الفصائل التابعة له في مناطق سيطرته- جنوب وشرق اليمن- هي أحد أشكال حروبه التي يشعلها بالتوازي مع الحرب العسكرية والحصار الاقتصادي، فالسعودية لها تشكيلات عسكرية وولاءات قبلية، وللإمارات أتباع وفصائل مسلحة وشخصيات قبلية واجتماعية أنفقت أموالاً طائلة لشراء ولاءاتها، والمعارك التي لا تتوقف بين قوات الشرعية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدد من المحافظات الجنوبية تُعدّ أحد تجسيدات واقع الصراع، كون الأولى تتبع الرياض وتتبع الأخرى أبوظبي، وكل منهما تتلقيان الدعم المادي والعسكري من رعاتها ليستمر القتال والنزاع، بالإضافة إلى تفعيل التصنيفات المناطقية بين الطرفين.

محافظة المهرة، إحدى ساحات الحروب التدميرية التي يديرها التحالف إلى جانب حربه العسكرية الشاملة على اليمن، فالسعودية تحشد أتباعها والموالين لها إلى تلك المحافظة البعيدة تماماً عن مناطق المواجهات والمعارك، إلى جانب الوحدات العسكرية من جيشها النظامي، والتي تتمركز في مطار الغيضة وتستولي على المنافذ البرية الحدودية مع سلطنة عُمان، وبالمثل تتحرك الإمارات وتحشد الأتباع والموالين لها عن طريق صنيعتها المستحدثة المتمثلة في المجلس الانتقالي، الذي يكثف تحركاته خلال الأيام الماضية بتوجيهات إماراتية، حيث يستقدم مجاميع مسلحة إلى المهرة، محسوبين على تنظيم داعش الإرهابي، الورقة التي يستخدمها التحالف كلما أراد تفكيك مجتمع أو انتزاع أمنه وتبديد سكينته، بالإضافة إلى مجاميع أخرى يتم توزيعها على شكل عصابات مسلحة للغرض نفسه، وتهدف الإمارات إلى إدخال المحافظة المسالمة في دوامة من الفوضى، والتأسيس لصراع بيني قبلي هدفه تفكيك الإجماع الشعبي على رفض التواجد العسكري الأجنبي في المهرة، الأمر الذي يكشف مخططاً إماراتياً سعودياً للسيطرة الكاملة على المحافظة، حسب تصريحات قيادات وشخصيات جنوبية معروفة، منها القيادي في ما يسمى بالمقاومة الجنوبية عادل الحسني.

الوصول بالوضع في مناطق سيطرة التحالف إلى حافة الانهيار والتفكك المجتمعي، شكل من أشكال الحرب غير المباشرة التي يشنها التحالف بالوتيرة نفسها والحرص نفسه، وهو يعلم جيداً أن نتائجها كارثية وأشد تعقيداً من نتائج الحرب العسكرية، بل ويفرض معها تعتيماً إعلامياً شديداً، وغالباً تنكشف إلا من خلال ناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، ولا يكاد يمر يوم إلا ويتعرض مسئول حكومي للاغتيال أو الخطف، في عدد من المحافظات الجنوبية، بالإضافة إلى اختطاف أطفال ونساء، خصوصاً في مدينة عدن، وخلال الفترة الأخيرة أطلقت الإمارات العنان لمتنفذيها بالبسط على أراضي المواطنين والأملاك العامة، والتي خرج على أثرها المواطنون في وقفات احتجاجية، ليسوا على يقين من أنها ستكون ذات جدوى، فما الذي سيجنونه من مناشدة حكومة غائبة لا تملك قرارها في شيء، أو تحالف يعلمون يقيناً أنه يقف وراء كل مآسيهم وآلامهم، وإن كان من فائدة لتلك الوقفات فهي للتفريج عن الغم الذي يكتم على أنفاسهم وهم يرون أملاكهم تُنهب وأبناءهم يساقون إلى معارك لا علاقة لهم بها أو يسقطون ضحايا إدمان المخدرات التي تدير الإمارات تجارتها وترويجها، ربما تكون الوقفات علاجاً مؤقتاً يؤجل موتهم كمداً على واقع مستقبلهم الذي ينهشه مخالب الطامعين والمتنازعين.