مجلس الأمن يفقد نزاهته في اليمن

YNP - إبراهيم القانص :
الأزمات السياسية والصراعات التي تشتعل هنا وهناك في مختلف أرجاء العالم، لا تخلو من بعض الإيجابيات كونها تتيح الكثير من فرص كشف الألغاز واستشراف النوايا وتحديد الغايات والأهداف من تلك الصراعات، رغم ما تصنعه من البؤس والدمار الذي عادةً ما يدفع ثمنه ويتحمل تداعياته وأضراره المباشرة الشعوب المغلوبة على أمرها، خصوصاً في البلدان التي حولتها أنظمتها القمعية المستبدة إلى حدائق خلفية للاعبين الأساسيين في الصراعات على مستوى العالم، حيث يتم تقييد الكثير من الدول في إطار تحالفات وتكتلات تنتظم أهدافها وتوجهاتها وفقاً لخارطات المصالح المتبادلة والتي تخضع عادةً لمنطق القوة ولو كان على حساب السيادة ومصالح الشعوب، وحسب هذا المنطق يتحدد من يُفرض عليه الالتزام بشروط وموجهات تلك التحالفات ومن يحق له القفز عليها، وهو ما يتكشف تباعاً من خلال الأبعاد التي تتخذها كل أزمة مهما كانت معقدة وكل صراع أيَّاً كان حجمه.

بدأت الحرب التي تقودها السعودية على رأس تحالف إقليمي ودولي في اليمن بعناوين وشعارات حملت في مجملها مصلحة اليمن واليمنيين، وعلى مدى سبع سنوات اتخذت الحرب أبعادها المرسومة والمخطط لها جيداً، واتضحت غاياتها الحقيقية وانكشف لاعبوها الأساسيون، الذين لا يزالون حتى اللحظة والحرب لا تزال قائمة يقدمون أنفسهم دعاة سلام، وفي مُقَدَّمِهم الولايات المتحدة الأمريكية التي أعطت الإشارة الأولى لبدء الحرب على اليمن، وتملك لا سواها قرار استمرارها أو وقفها، وليس كما كان يظن الكثيرون أنها بيد السعودية أو الإمارات أو غيرهما من دول التحالف، فالكل مجرد أدوات محكومة بالهيمنة الأمريكية.

كل الأزمات والصراعات التي تقف وراءها الولايات المتحدة الأمريكية أثبتت أن هذه الدولة قائمة على تأجيج النزاعات وخلق التوترات وتغذية الصراعات، ومن خلالها تفرض المزيد من الهيمنة على الكثير من الأنظمة والدول، على أساس أنها حليفة لها لكنها سرعان ما تكتشف أنها تحولت إلى مجرد تابعة تدور في فلك المصالح الأمريكية وتخدمها من حيث تشعر ومن حيث لا تشعر، وهو الواقع المؤسف الذي تعيشه الأنظمة الخليجية خصوصاً الإمارات والسعودية، اللتين وضعا ثرواتهما بيد الولايات المتحدة مقابل ما تسميها حماية أمنهما القومي، وبالطريقة نفسها تستقطب الولايات المتحدة الكثير من الحكومات والأنظمة إلى تحالفات تحوّل بعضها إلى تابعة مسلوبة القرار وأخرى إلى ساحات حرب ونزاعات تظل أمريكا تغذيها وتدعمها بما يتوافق مع مصالحها حتى تستحيل تلك الدول رماداً تحت وطأة الأزمات السياسية والاقتصادية.

تستنزف الولايات المتحدة ثروات دول خليجية، من خلال صفقات أسلحة كبيرة، وتجرب تلك الأسلحة في اليمن وسوريا والعراق وعدد من دول المنطقة التي أوصلتها الأموال الخليجية الخادمة للسياسات الأمريكية، وفي السياق نفسه تمضي بريطانيا بسياساتها التي لا تختلف كثيراً عن السياسات الأمريكية، وقد تمكنت الدولتان من تطويع المؤسسات الدولية الفاعلة لسياساتهما وغاياتهما التوسعية في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من بقاع العالم، وعلى رأس تلك المؤسسات مجلس الأمن الدولي، الذي كان يفترض أنه يمثل الضمير العالمي ويحمل على عاتقه مسئولية الانتصار لمظلوميات الشعوب المنتهكة تحت سطوة اللاعبين الدوليين الأقوى.

القرار رقم (2624) الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي بحق اليمن في آخر جلسة له الإثنين الماضي، والذي قضى بتجديد حظر بيع الأسلحة لليمن؛ احتوت أدبياته الكثير من الانحياز الظاهر لدول التحالف وداعميها الدوليين، على حساب شعب يتعرض للقصف والحصار على مدى سبع سنوات، بل ويُقصف بأشد الأسلحة فتكاً والمحرمة دولياً وإنسانياً، لكن ذلك لم يكن بالشيء المهم الذي يستحق عدالة المجلس حسب الغاية التي أنشئ من أجلها، بل أعطى المعتدين الحق في امتلاك وشراء ما يشاءون من الأسلحة، بينما حظرها على من يحتاجها وهو في موقف الدفاع عن نفسه ومقدراته، وتجاوز مجلس الأمن ذلك بكثير من المراحل حيث وصل حد غض الطرف والصمت عن حظر التحالف ومنعه دخول الغذاء والدواء والمشتقات النفطية إلى اليمن عبر أي منفذ من منافذه البرية والبحرية والجوية، الأمر الذي يفضح خروج المجلس عن النزاهة والحيادية المفترضة، وبيعه المواقف لمصلحة الأطراف الأقوى عسكرياً ومالياً وليس الأقوى موقفاً وحقوقاً، وهو نهج وسلوك يُصعِّب ويُعقِّد إمكانية الوصول إلى سلام دائم وعادل في أي نزاع على الأرض، ويرى مراقبون أن مواقف مجلس الأمن، خصوصاً بشأن اليمن التي جدد قرار منعها من شراء أسلحة تدافع بها عن نفسها وبإجماع القوى العالمية المهيمنة، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا والصين وبريطانيا، تؤكد أن شعوب الأرض أصبحت في حاجة ماسة إلى نظام عالمي جديد، يُحيي قيم العدل ورفع الظلم والاستبداد الذي تفرضه القوى المهيمنة المسنودة بمؤسسات ومنظمات أممية ترفع شعارات العدل وتسلك طرقاً لا تؤدي إليه إطلاقاً.