اعتراف سعودي متأخر بتبني "الفكر الوهابي"وصناعة التطرف الديني

YNP - إبراهيم القانص :

صناعة وإنتاج التطرف والتشدد الديني، وتفعيله وفق خطط مدروسة جيداً، وتمكينه من التوغل في المجتمعات العربية وغيرها على امتداد خارطة العالم،

كانت ماركة سعودية مسجلة حصرياً باسمها، وهي التهمة التي ظلت السعودية تنكرها على مدى العقود الماضية، والصفة الأبرز التي لا تكاد تُذكر إلَّا وتُذكر معها المملكة كوصمة جللتها بعارٍ تاريخي لا يزال يلازمها حتى اللحظة، ولأسباب تتعلق بمحاولة تغيير الصورة النمطية للسعودية وتجميل صورتها أمام العالم يأتي الاعتراف بتلك التهمة متأخراً على لسان ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان، مشفوعاً بالتبرؤ من الوهابية، التي تفرخت على يديها التطرف الديني وتسببت مخرجاتها في أكبر المراحل الدموية التي عصفت بشعوب المنطقة وأدخلت الحزن والرعب إلى كل بيت عربي؛ بعمليات التفجير الانتحارية والاغتيالات الأكثر بشاعة عبر التاريخ، من خلال الإطارات الجديدة التي ظهرت بها مخرجات الوهابية متمثلةً في تنظيمي القاعدة وداعش، والتي أوصلتها الأموال السعودية والغطاء السياسي غير المباشر الذي ظلت سلطات المملكة تمنحه لها إلى ما وصلت إليه من الانتشار في غالبية الدول العربية والأجنبية.

حاول بن سلمان، في مقابلة مطولة مع صحيفة "أتلانتيك" الأمريكية نشرت الخميس الماضي، إظهار الارتباط الوثيق بين بلاده والفكر الوهابي المتطرف على أنه شيء أصبح من الماضي، بقوله إن محمد بن عبدالوهاب مؤسس الوهابية ليس السعودية، متحدثاً عن تنوع مذهبي تحتويه بلاده، حيث أشار إلى أن لدى السعودية "المذهب السني والشيعي، وفي المذهب السني توجد 4 مذاهب، ولدى الشيعة مذاهب مختلفة"، زاعماً أنه يتم تمثيلها في ما وصفه بـ"الهيئات الشرعية"، محاولاً تضليل الرأي العام عن حقيقة أن بلاده كانت ساحة مغلقة على الوهابية فقط، التي استمدت قوتها من رمزية وجود أهم المقدسات الإسلامية في الأراضي السعودية، متمثلةً في بيت الله الحرام بمكة ومسجد الرسول في المدينة المنورة، والتي أتاحت عائلته الملكية لمشائخ ودعاة الوهابية إدارتهما وفق فكرهم المتشدد، ولم يكن للمذهب السني وجود على الإطلاق، أما المذهب الشيعي فالجميع يعرف أن من ينتمون إليه كانوا ولا يزالون أقليات مستضعفة في بعض المحافظات الشرقية والجنوبية في السعودية، وتمارس بحقهم سلطات المملكة كل أنواع الاضطهاد والظلم وتقييد الحريات، والكثير من رموز ذلك المذهب يقبعون في المعتقلات، وتم إعدام بعضهم مثل الشيخ نمر النمر، بل يتعرض حتى الأطفال القصر للاعتقال والمحاكمات خارج أُطر القوانين والشرائع.

وفتح بن سلمان على نفسه أبواب التندر والسخرية، من خلال حديثه للصحيفة الأمريكية بعد اعترافه بالترويج للوهابية ودعمها طيلة العقود الماضية؛ بقوله إنه يضعها الآن على المسار الصحيح بالرجوع إلى "الإسلام النقي"، حد تعبيره، الأمر الذي أثار سخرية وتندر الكثير من المراقبين والناشطين، الذين اعتبروا ذلك الحديث نوعاً من الاستخفاف بعقول الناس، كونه يأتي في وقت ينفذ ولي العهد رؤية حديثة تحت مسمى الانفتاح والتطور من وجهة نظره، وهي رؤية تأخذ البلاد بعيداً عن تعاليم وقيم الدين وأعراف وتقاليد المجتمع السعودي المحافظ، فتخليص البلاد من تشدد وإرهاب الفكر الوهابي المتطرف بطريقة الانسلاخ نهائياً من الدين، ووصف ذلك بالرجوع إلى "الإسلام النقي"، كان إخفاقاً كبيراً جعل الأمير السعودي محط سخرية، بل كشف أنه في وضع متخبط لا يعرف ماذا يريد.

الأمير السعودي حاول أيضاً التخفيف عن الوهابية التي تبرأ منها، بتحميله جماعة الإخوان المسلمين مسئولية كبيرة عن صناعة التطرف، مستشهداً بأن قيادات القاعدة وداعش ينتمون لتلك الجماعة، متجاهلاً أن جماعة الإخوان بنفسها لم تكن سوى إحدى بذور الوهابية وشكلاً من أشكالها، فالغايات هي نفسها وإن اختلفت أساليب الأداء.