سراب الوعود بدعم إقليمي ودولي يتلاشى.. الاقتصاد اليمني نحو مزيد من الانهيار

YNP - عبدالله محيي الدين :
عاود الريال اليمني انهياره في مناطق سيطرة حكومة هادي المدعومة من التحالف، بعد التحسن اللحظي لسعر الصرف، والذي صاحبته حالة من عدم الاستقرار، خلال شهري ديسمبر 2021 ويناير 2022، وذلك في أعقاب الانهيار الكبير لسعر الصرف مقابل العملات الأجنبية، خلال عام 2021، والذي بلغ ذروته في نوفمبر من العام ذاته، مسجلاً 1700 ريال مقابل للدولار الأمريكي.


ورغم تعافي الريال اليمني متأثراً بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي وتغيير مجلس إدارته مطلع ديسمبر 2021، إلا أن هذا التحسن لم يكن ملموساً أو عميقاً، كما أنه لم يستمر طويلاً، حيث استمر الانحدار، وتسارعت وتيرته خلال الأسبوعين الماضيين، ليبلغ سعر الدولار الأمريكي الواحد إلى حدود 1270 ريالاً يمنياً، كما تجاوز سعر صرف الريال السعودي 335 ريالاً يمنياً.
وشكل تعيين القيادة الجديدة للبنك المركزي بعدن متغيراً مهماً في المعادلة، سيما بعد ما أثير من ملفات فساد للقيادات السابقة، وتورطها في أعمال غسل الأموال والمضاربة بالعملة، سيما وقد صاحب تعيين هذه القيادة حملات إعلامية مبشرة بامتلاكها العصا السحرية، التي ستتمكن من خلالها من وقف انهيار العملة وتحسين قيمة الريال.
الحملات الإعلامية التي صاحبت تعيين القيادة الجديدة للبنك المركزي بعدن، تضمنت أيضاً الحديث عن وديعة سعودية وأخرى إماراتية إلى البنك، سيكون من شأنهما أن توقفا الانهيار الاقتصادي، وتعيدا للريال عافيته، بالإضافة إلى دعم اقتصادي دولي، وهو الأمر الذي أثبتت الأيام أنه، رغم التأكيدات التي صدرت حوله من قبل جهات دولية ومسئولين في حكومة هادي، كان مجرد بروباجندا دعائية، قد يكون الغرض منها امتصاص غضب الشارع، وتخفيف الغليان الشعبي الذي أشعله الانهيار لسعر العملة، وما صاحبه من تفاقم الأوضاع المعيشية لملايين المواطنين.
وطيلة الأشهر الثلاثة الماضية، ظلت وسائل إعلام تابعة لحكومة هادي والأطراف المرتبطة بها، تعزف على وتر الوعود سعودية بوديعة إلى البنك المركزي بعدن، لدعم الاقتصاد المنهار وتحسين سعر العملة المحلية، فيما بشرت هذه الوسائل مرات عديدة بقرب وصول الوديعة، فيما ظلت القيادة الجديدة في وضع محرج، سيما وأن لا شيء بيدها لتقدمه ما دام الدعم الاقتصادي الموعود لم يصل، فيما الموارد وعلى رأسها عائدات النفط والغاز والمنافذ، لا تورد إلى خزينة الدولة.
ورغم التصريحات من قبل التحالف وحكومة هادي وجهات دولية وأممية، حول ضرورة الدعم الاقتصادي والتخفيف من الأزمات المعيشية والإنسانية التي تلقي بثقلها على ملايين اليمنيين، إلا أن تحركاً جدياً من قبل تلك الأطراف لم يلحظ، وظلت التصريحات الإعلامية المستهلكة هي كل ما ناله الاقتصاد المنهار.
تقارير إعلامية كانت قد تحدثت عن اشتراطات قدمتها السعودية والإمارات مقابل الدعم المادي الموعود لحكومة هادي، ومباحثات مع رئيس هذه الحكومة، معين عبد الملك، حول هذه الاشتراطات التي أعلن بعضها عبر وسائل الإعلام، من قبيل استخدامات هذا الدعم وآلية إدارته، فيما لم يعلن الجانب الآخر من الاشتراطات، والذي قد يتعلق في المقابل بحسابات ومكاسب وامتيازات اقتصادية وسياسية للأطراف الداعمة.
ويشير عدد من المحللين والكتاب السياسيين إلى أن ربط الملف الاقتصادي والأوضاع المعيشية للسكان بملفات أخرى، تتعلق بمصالح الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة اليمنية، هي السبب وراء مماطلة تلك الأطراف، في توفير الدعم الاقتصادي الموعود، من قبيل الضغط بالورقة الاقتصادية لتمرير تلك الملفات التي قد تكون المسمار الأخير في نعش حكومة هادي.
وفيما يستمر امتناع تلك الأطراف عن تقديم الدعم الاقتصادي الموعود لحكومة هادي، لا يزال التحالف السعودي الإماراتي يسيطر على الموارد الاقتصادية، ويعطل المنشآت الإيرادية، الأمر الذي ساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية، التي تُعدّ الحرب التي تعاني منها البلاد منذ سبع سنوات المسبب الرئيس فيها.
ويمنع التحالف إعادة تصدير النفط اليمني بشكل كامل، كما يعطل منشأة وميناء بلحاف لتصدير الغاز، في حين أن ما يسمح لحكومة هادي بتصديره من النفط يتم إيداعه في حساب خاص لدى البنك الأهلي السعودي، وبالتالي يتم صرفه لهذه الحكومة بإشراف سعودي، وبالتالي عدم الاستفادة منه في تعزيز مخزون البلاد من العملة الصعبة، والذي يمكن أن يسهم في الحد من التردي الاقتصادي والانهيار الحاصل في سعر العملة المحلية.

وخلال السنوات الماضية من عمر الحرب التي يشنها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، شهدت العملة الصعبة نزفاً مستمراً في ظل عدم وجود مصدر دائم لتعويض هذا النزف. وبلغ الميزان التجاري لليمن -8693.91 مليون دولار عام 2020، ويعود ذلك أساساً إلى التراجع الكبير في الصادرات، وبالذات من النفط والغاز، فقد انخفض إنتاج هاتين السلعتين بنسبة 90% عمَّا كان عليه عام 2014، وكانت صادراتهما تُشكِّل 90% من صادرات البلاد، وثلث إجمالي ناتجها المحلي.
ووفقاً لتقارير محلية، تراجَع حجم الصادرات بنسبة 75%، بما في ذلك الصادرات الزراعية التي تراجعت بنسبة تفوق 70%، وفي تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2020، احتل اليمن المرتبة 188 في مؤشر التجارة عبر الحدود، وتُقدَّر الخسائر الناتجة عن تضرُّر التجارة الخارجية عموماً بحوالي 36 ملياراً و285 مليون دولار.
وعلى وقع الحرب المستمرة للعام السابع على التوالي، وما صاحبها من تضييق واستهداف للاقتصاد اليمني وقيود على عمليات التصدير والاستيراد، تراجَع معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 0.5% في أبريل 2021.
ومنذ اليوم الأول للحرب التي بدأت عملياتها في 26 مارس 2015، استهدف التحالف بغاراته الجوية القطاعين التجاري والصناعي، وفرض قيوداً على مدخلات الإنتاج، فيما فتح المنافذ أمام المنتجات الاستهلاكية وعلى رأسها الخليجية، في مسعى منه لتحويل اليمن إلى سوق لمنتجاته، وهو الأمر الذي يعده مراقبون واحداً من الأهداف الاقتصادية للحرب.