السعودية واليمن .. تاريخ من الصراع الطويل

YNP -  خاص  :

سلطت مجلة فرنسية الضوء على تاريخ من الصراع الذي أججته السعودية ضد جارتها اليمن، منذ العام 1934، وما تلاه من تسلط السعودية وهيمنتها على اليمن من جميع النواحي سياسيا واقتصاديا وحتى ثقافيا، وذلك من خلال توجيه الدعم لزعامات قبلية وقيادات سياسية وعسكرية، وربطهم بها مباشرة، في محاولة لإبقاء اليمن بلدا ضعيفا لا يملك من قراره شيء.

وفي مقال نشرته مجلة أورين21- وهي مجلة إلكترونية إخبارية، متخصصة في أخبار الوطن العربي والعالم الإسلامي، تأسست في 2013 ومقرها باريس في فرنسا- للكاتبة هيلين لاكنر، ألقت الكاتبة الضوء على التباينات والمشتركات بين اليمن والسعودية كبلدين جارين، كما أبرزت النزعة التسلطية للسعودية، وممارساتها خلال تاريخ طويل يمتد منذ عشرينات القرن الماضي، لإخضاع اليمن، وكذلك تأثير الطفرة الاقتصادية التي تحققت للمملكة المتمثلة بالثروة النفطية وعائداتها، في مقابل حالة الفقر التي لحقت باليمن، على العلاقة بين البلدين، حيث تحولت الأولى إلى لاعب مهم في الساحة السياسية العالمية، في حين ظلت الأخيرة بين أفقر الدول في العالم العربي "كما لا يملك اليمن وسائل التأثير على الاستراتيجية الدولية، باستثناء سيطرته على البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس عبر مضيق باب المندب وسمعته (غير المنصفة) كبؤرة للإرهاب الإسلاموي".

 

واستعرضت الكاتبة في مقالها للمجلة، اتجاه السعودية منذ إعلان تأسيسها في العام 1932، لاستعداء اليمن والسيطرة على مساحات واسعة من أراضيه الحدودية، على رأسها محافظات (نجران وجيزان وعسير) في العام 1934، ما أدى إلى اندلاع الحرب بين البلدين انتهت باتفاقية عشرين سنة قابلة للتجديد. فيما لم تشهد العقود التالية التي ظلت خلالها المملكة العربية السعودية بلدا فقيرا تطوّرا هاما في العلاقات مع الإمامة، ولا مع عدن ومحمياتها، الخاضعة حينها لهيمنة البريطانيين.

 

الحرب ضد الجمهورية

وقالت الكاتبة إنه لم يكن مفاجئا أن تعارض المملكة العربية السعودية إنشاء الجمهورية العربية اليمنية في عام 1962، بل وأن تعارض إنشاء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي كانت الدولة الاشتراكية الوحيدة في العالم العربي. نتحدّث هنا عن عصر كانت فيه النزعة الجمهورية في تصاعد، عصر تمت فيه الإطاحة بأنظمة ملكية أخرى (في العراق ومصر وليبيا)، وتحصّلت فيه المستعمرات في أماكن أخرى من العالم الثالث على استقلالها، لتصبح بدورها جمهوريات. لذا، كان الملوك في الستينيات يرون أنفسهم مهددين بالانقراض.

 

وأشار المال إلى الدور الذي لعبته السعودية خلال الحرب الأهلية بين الملكيين والجمهوريين بين عامي 1962 و1970، حيث دعم النظام السعودي بصفة معلنة الصف الملكي. "وفي حين تُقدم الطائفية على أنها السبب الرئيسي للتوترات، يجدر التذكير بأن المملكة العربية السعودية دعمت ملكًا زيديًا (أي شيعيًا) ضد نظام جمهوري سني".

 

ما بعد الجمهورية

 

وأوضح المقال أن السعودية خلال هذه الحرب أطلقت، سياستها المتمثلة في دعم وتقوية زعماء القبائل في أقصى شمال اليمن، بما في ذلك الاتحادان القبليان الرئيسيان، حاشد وبكيل. وقد استمرت هذه السياسة بعد هزيمة قوات الإمام، حيث دعم النظام السعودي في الوقت نفسه السلطات المركزية في صنعاء، ليضمن بالتالي بقاء الدولة اليمنية ضعيفة وفي حالة تنافس مع السلطات القبلية المتعارضة المتمركزة في الشمال. نفذت بالتالي المملكة العربية السعودية بشكل فعال سياسة “فرّق تسد” في الجمهورية العربية اليمنية".

 

خلال السنوات الثلاث والعشرين من وجود جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كان العداء للنظام “الشيوعي” سمة ثابتة لسياسة المملكة العربية السعودية. وقد دعمت الأخيرة بشكل ملحوظ مجموعات في المنفى دبلوماسياً ومالياً وإعلامياً، لكنها شجعت أيضاً التوغلات المسلحة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وقد خف الوضع قليلا بعد سنة 1976 بعد إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، لكن المملكة العربية السعودية ظلت إلى حد كبير معادية لنظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

 

الموقف من الوحدة اليمنية

ولفت المقال إلى حالة عدم الترحيب التي أبدتها السعودية بتوحيد اليمن سنة 1990، مرجعا تلك الحالة إلى أن المملكة ترى في يمن موحد يجمع عدداً كبيراً من السكان تهديدا. وكان هذا أحد الأسباب التي أدت إلى التعجيل من قبل قيادتي الشطرين حينها في الوحدة، خشية أن تحاول السعودية والمعارضون في الداخل تقويض مشروع الوحدة.

 

بعد أربع سنوات فقط من ذلك، خلال الحرب الأهلية لسنة 1994، شجع السعوديون الفصيل الانفصالي في الجنوب على إعادة تأكيد الاستقلال، مع أن المملكة العربية السعودية كانت قد عارضت بشدة قبل ذلك بوقت قريب هذه المجموعة التي كانت تصف أعضاءها آنذاك بـ“الشيوعيين الملحدين”. ومع ذلك لم تعترف العربية السعودية بالدولة الانفصالية التي أعلنها علي سالم البيض في عدن في مايو 1994. كان من الممكن أن يساعدها الاعتراف الدولي على البقاء، لكن عوض ذلك، هُزم الانفصاليون بقوة في غضون بضعة أسابيع.

 

تأثير إيديولوجي

وأشار المقال إلى التأثير الأيديولوجي المتمثل في الثقافة الوهابية التي عملت السعودية على تصديرها إلى اليمن، وأنشأت لها مراكز ومولتها، حيث عملت كوادر دينية تم تكوينها في الجامعات السعودية في كل ربوع اليمن، ليس فقط في المناطق ذات الأغلبية السنية، بل كذلك في المناطق الزيدية حيث تم إنشاء دار الحديث الشهيرة "دماج"، وهو معهد تكوين سَلفي أنشئ سنة 1980، ليصبح بعد ذلك مركزا للأصولية السنية في قلب المنطقة الزيدية وأماكن أخرى في اليمن.

 

فضلا عن تمويل ودعم النظام التعليمي اليمني الذي أشرف عليه مدرسون مصريين وسودانيون. فخلال السبعينيات والثمانينيات، تم توظيف المدرّسين في صفوف جماعة الإخوان المسلمين لهذين البلدين، وكان المطلوب منهم أن ينشروا الثقافة الإسلامية (الوهابية/ الإخوانية) في المدن والقرى حيث كانوا يعملون.

 

وقالت الكاتبة إنه "مهما كانت التغيرات التي تشهدها الإيديولوجيا السعودية الرسمية، سيتطلب وقتا طويلا حتى تفقد عقود من الترويج للإسلام الأصولي طابعها كعامل سياسي وثقافي مؤثر في اليمن، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى".

 

 

 

حرب ضد المدنيين

وأكدت الكاتبة في مقالها أن التدخل الخير للسعودية في اليمن، والمتمثل في شن الحرب الأخيرة بصورة مفاجئة، أمرا لم يكن متوقعا، إذ حرصت المملكة السعودية في الفترات السابقة على العمل في اليمن من خلال وسطاء، بدلا من شن عمليات عسكرية مفتوحة.، سيما وأن "تدخلها (السعودية) المحدود في الحرب ضد الحوثيين سنة 2009 نيابة عن نظام علي صالح ضعف السعودية عسكريا، مما عزز الأحكام المسبقة المنتشرة في الخارج بخصوص القدرة الإجمالية لقوات المملكة".

 

وأضافت الكاتبة: "بكامل التهوّر، أطلق وزير الدفاع (السعودي) الجديد آنذاك -محمد بن سلمان- عملية “عاصفة الحزم” الجوية في مارس/آذار 2015، معتقدا أنه سيحقق نصرا سهلا وسريعا بفضل الأسلحة المتطورة والمكلفة التي تحصلت عليها المملكة العربية السعودية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا ومن بلدان أخرى. من الواضح أنه لم يعر اهتماما لتحذير جده سنة 1934 بأن اليمن “بلد جبلي وقبلي. لا أحد يستطيع السيطرة عليه.. كانت الدولة العثمانية آخر الغزاة الذين فشلوا. لا أريد توريط نفسي أو شعبي في اليمن..”.

 

وأشارت إلى أنه لم يحقق التحالف المناهض للحوثيين، والذي يوصف رسميا بأنه تحت قيادة السعودية، إلا نتائج قليلة جدا خلال ثماني سنوات من وجوده، بل تسبب أساساً في مقتل أكثر من 100 ألف يمني بسبب الحرب مباشرة، و220 ألف آخر بشكل غير مباشر بسبب الحصار الجوي والبحري والأزمة الإنسانية، وتدمير جزء كبير من البنية التحتية الصحية وغيرها في اليمن والتفتت الاجتماعي. كما قتلت الغارات الجوية التي تقودها السعودية المئات من المدنيين خلال السنوات الخمسة الأولى، في هجمات استهدفت المدارس والمستشفيات والأسواق والمناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزفاف والجنائز.