التحالف وفصائله.. هل بدأت مرحلة التخلي الأخيرة؟

YNP _ حلمي الكمالي :

في ظل المتغيرات السياسية والعسكرية التي فرضتها قوات صنعاء خلال الفترة الأخيرة، على مجمل المواجهة المفتوحة، وبعيداً عن تمديد الهدنة الأممية من عدمها، فإن قوى التحالف تتجه لوضع اللمسات الأخيرة، لإجتثاث فصائلها وأدواتها من المشهد اليمني، كإجراء روتيني طبيعي يمهد للمرحلة القادمة، إذا ما أرادت هذه القوى الخلاص الحقيقي من الغرق الطويل في المستنقع اليمني، الذي حول أطماعها إلى كوابيس بدأت ترتد بقوة على عمقها الإستراتيجي.

ووفقاً للمعطيات الموجودة على الساحة اليمنية، فإن قوى التحالف التي تعيش مخاوف بالغة بخصوص استئناف المواجهات العسكرية وعودة تدشين الرحلات اليمنية الصاروخية والمسيرة إلى أرامكو وكبرى المواقع الحيوية في عمقها؛ ستسعى خلال هذه المرحلة سواءً تم تجديد الهدنة الأممية لفترة رابعة،أم لا، للتخلص بشكل نهائي من فصائلها في اليمن، بإعتباره الخيار الأول والوحيد لضمان إمكانية التهيئة للخروج من اليمن بالخسائر القائمة، والتي تلقتها خلال سبع سنوات كاملة من الهزائم المتوالية، على إمتداد مسارح المواجهة العسكرية المباشرة وطاولات المفاوضات السياسية وحتى الوساطات الدولية التي قدمتها لإنقاذها من فضيحة الهزيمة.

وبالطبع، هذه الإجراءات ليست وليدة اللحظة وإنما نتيجة طبيعية كان من الواضح جداً للمتابع أن يستشعرها خلال الفترة الأخيرة، من خلال مساعي دول التحالف المكثفة لتفكيك فصائلها وضرب بعضها البعض في حروب فتاكة أنهكت معظم قواها، والتي بدأت بإزاحة قوات هادي والإصلاح من المشهد، إلى تفكيك الفصائل الإماراتية، وأخيراً إستهداف وتثبيط قوات المجلس الإنتقالي، ناهيك عن فشلها بإدارة التناقضات العميقة التي أوجدتها داخل أروقة المجلس الرئاسي، قبل أن تتجه لإزاحته من الواجهة.

وهذا ما يتضح جلياً من خلال الترتيبات السعودية الإماراتية طوال الفترة الماضية، الرامية لإعادة تدوير أدواتها كلياً وتشتيت فصائلها على الجغرافيا في المحافظات الجنوبية، ناهيك عن إعتقال واستهداف قياداتها البارزة، والذي سبق وأن دشنتها الطائرات الإماراتية التي ظلت طوال معارك شبوة وأبين في استهداف وتفكيك أنساق قوات الإصلاح.. ومثلما أعلنت دول التحالف وفاة "شرعية" هادي قبل ذلك، لا نستبعد تشييعها لجنازة الرئاسي وفصائله قريباً.

في سياق متصل، فإنه من الواضح أن قوى التحالف خائفة وتدرك تماما صرامة تحذيرات قوات صنعاء الصريحة، من الإستمرار في الحرب على اليمن وحصاره ونهب ثرواته ومقدراته، على الرغم من تناقضاتها فيما يخص بتمديد الهدنة وعدم إلتزامها بتنفيذ أية استحقاقات إنسانية عبرها؛ وهو ما بدأت القوى الغربية المساندة لهذا التحالف استشعاره كخطر حقيقي يهدد مستقبلها ومصالحها ليس في اليمن وإنما في عموم المنطقة، الأمر ذاته الذي دفع شركة عالمية لإعلان وقف أعمالها في نقل النفط اليمني المهرب، وقبلها قيام توتال الفرنسية لإيقاف تشغيل بلحاف الغازية ونقل قواتها من المنشأة إلى مدينة المكلا خوفاً من الإستهداف، في أعقاب تهديد قوات صنعاء للشركات الأجنبية بسرعة وقف عمليات النهب ومغادرة البلاد.

إلى ذلك، لا يمكن فصل انقلاب محمد بن سلمان، على والده وتنصيبه ملكاً في هذا التوقيت بالذات، عن هزيمة التحالف في اليمن، وما يرافق هذه الهزيمة من ضغط داخلي وخارجي كبير على سلطة الأمير المراهق الذي يسعى للقفز إلى العرش وسط معارضة شديدة من الأسرة الحاكمة، ناهيك عن ما خلفته الحرب من استنزاف كبير للخزينة السعودية والتهديد الحقيقي الذي يطال المصدر الرئيس لهذه الخزينة بفعل الضربات اليمنية، والتي يبدو أنها ستكون على موعد مع الإنهيار الكامل هذه المرة في حال استمرت دول التحالف بالمرواغة في وقف حربها ورفع حصارها على اليمن، إذا ما تم تدشين هذه الضربات مجدداً.

على أية حال، فإن عودة الحرب مجدداً ستكون بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على دول التحالف والقوى الغربية المساندة لها، والتي تقف على قدم وساق خشية استئناف الضربات على حقول النفط في السعودية والإمارات في ظل أزمة الطاقة التي تضرب الغرب والقارة العجوز، بالتالي لن تتردد هذه القوى بالخلاص من أسباب الهزيمة المتضمنة بفصائلها في اليمن على الفور التي تصدر ضجيجاً لا طحناً كما وصفتها صحافة دول التحالف مؤخراً، والتي أكدت أن التحالف لم يعد قادراً على مواصلة دعم فصائله، لافتة إلى أن التحالف غير متأكد أن هذه الفصائل ستبقى خلال الفترة المقبلة على وجه المشهد لأسباب سياسية وعسكرية واقتصادية.

استناداً لكل ما سبق، وإلى جانب التطورات العسكرية والسياسية المنظورة على الساحة اليمنية؛ يمكن التأكيد على أن دول التحالف أصبحت محشورة في زاوية ضيقة للغاية، حيث أن لا خيارات أمامها سوى الرحيل من اليمن واستغلال فرص السلام التي تمنحها صنعاء للمرة الألف، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تبعات الهزيمة المدوية في اليمن، وعليه فإن عليها الإلتزام بشروط صنعاء كما هي دون مماطلة، وعلى رأسها رفع الحصار الشامل وإنهاء الحرب وسحب كل القوات الأجنبية ومعالجة ملفات الحرب ودفع التعويضات، وما دون ذلك قد يقودها إلى الهلاك.