التحالف يسقط الشرعية عملياً من تفاوضاته مع صنعاء

YNP / إبراهيم القانص -
في تاريخ الحروب على مستوى العالم، لم تقدم حكومة لمتدخل خارجي في بلادها مثل ما قدمته حكومة الشرعية للتحالف الذي تقوده السعودية على اليمن منذ ثماني سنوات، وليست مبالغة إذا ما قيل إنها قدمت بلاداً بأكملها بثرواتها السيادية ومواقعها الاستراتيجية ومنافذها وممراتها البحرية، وأيضاً دماء وأرواح أبنائها الذين دفعت بهم إلى محارق ومجازر مروعة، دفاعاً عن مصالح التحالف وحماية لحدود دوله، متجاوزةً كل قيم الإنسانية والوطنية،

وفي المقابل لا تجني تلك الحكومة الموالية للتحالف سوى الاحتقار والمعاملة الدونية المخجلة، وكما جرت العادة والسنن الكونية فمن يفرط في سيادة بلاده وأرواح ودماء أبنائها وثرواتها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُنظر إليه بعين الاحترام والتقدير بل يظل يسقط في الخزي ويُلفظ من كل مستويات التقدير ويُجرَّد من كل القيم، وتلك مآلات حتمية ينتهي إليها كل من كان مرتهناً لوصاية خارجية تُفقد بلاده حريتها واستقلالها.

وطيلة سنوات الحرب، ظهرت الكثير من الشواهد التي تثبت مدى الاحتقار الذي يعامل به التحالف الحكومة الموالية له في اليمن، سواء من حيث استخدامها كواجهة لتحقيق كل ما كان يحلم به في اليمن، والتحكم المطلق في قراراتها، فمن رئيسها إلى أصغر مسئول فيها لا يملك أيٌّ منهم الصلاحية لإصدار قرار مهما كان مستوى أهميته، وكذلك عزل وتعيين كل مسئول لا يتم إلا عن طريق قيادة التحالف وموافقتها، أو على مستوى الاستهداف المباشر وغير المباشر للقوات التابعة لتلك الحكومة، فطالما تعرضت لقصف طيران التحالف في أكثر من موقع، وراح ضحية تلك الاستهدافات المئات من منتسبيها.

أما أكثر ما يكشف النظرة الدونية التي ينظرها التحالف لأتباعه فهو تعامله مع أسرى قوات الشرعية، فتلك الفئة لا تعني له شيئاً ولا تشكل أي رقم في حساباته، مثلهم مثل القتلى الذين ضحوا بأرواحهم من أجل مصالحه، وخلال السنوات الماضية في كل مرحلة من مراحل تبادل الأسرى تحرص السعودية على تبادل الأسرى المنتمين إلى جيشها، ولا قيمة أبداً للمنتسبين إلى الفصائل المحلية اليمنية التي تقاتل في صفوفها، بمن فيها التابعون للألوية التي تحمي حدودها الجنوبية.

وصل الاحتقار السعودي لحكومة الشرعية الموالية له، حداً ربما لم يكن أحد يتوقعه، حيث تم إقصاؤها تماماً من مسألة المشاركة في التفاوض بشأن الأسرى، وأصبح الجانب السعودي يتفاوض مع سلطات صنعاء بشكل مباشر في ما يتعلق بالأسرى المنتمين لقواته، وخلال الأيام الماضية تبادلت صنعاء والرياض زيارات وفود من طرف كل منهما، حيث زاروا أسراهم واطمأنوا إلى أحوالهم، بينما ينتظر الآلاف من أسرى قوات الشرعية سراب الوعود التي يمنيهم بها قادتهم الذين ربما نسوهم في غمرة انشغالهم بمصالحهم الشخصية، وسباقهم المتواصل لإرضاء التحالف وتقديم أفضل ما لديهم من الخدمات التي تحقق مصالحه.

حكومة الشرعية الموالية للتحالف لم تعد تنكر إزاحتها عن هذا المشهد الذي كان حرياً بها أن تتصدره، حيث اعترف مصدر في الحكومة لقناة بلقيس انها لم تكن على علم بتبادل الزيارات بين وفود من التحالف وسلطات صنعاء، وليس هناك أي تنسيق بينها وبين التحالف بهذا الشأن، موضحاً أن اتفاق عمان لم ينص على أي زيارات، وكان مجرد مقترح لم يتم التوافق عليه.

ومن شواهد السقوط المدوي للحكومة الموالية للتحالف، تكريسها والمجلس الرئاسي الذي شكلته الرياض، لتقسيم اليمن وانفصال شمالها عن جنوبها، وكان آخر مظاهر تكريس التمزيق والتقسيم أن رئيس المجلس رشاد العليمي أوكل قراءة الكلمة التي كان عليها إلقاؤها عشية الذكرى التاسعة والخمسين لثورة الـ 14 من أكتوبر، لنائبه عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتبنى الانفصال بدعم إماراتي، والذي استهله بعبارة "يا أبناء شعبنا الجنوبي"، وهي دعوة إلى الانفصال دارت حولها بقية فقرات الخطاب.

القيادية في حزب الإصلاح المقيمة في تركيا، توكل كرمان، ونتيجة أن العليمي لم يقرأ خطاب ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر بحكم موقعه كرئيس للمجلس الرئاسي؛ وصفته بأنه ليس يمنياً، وعبر منشور على فيسبوك أشارت إلى أنه خارج دوائر الانتماء، وهو مجرد كارثة بدون لون أو ملامح، حسب تعبيرها، داعية متابعيها إلى صب لعناتهم على المملكة التي وصفتها بـ"الشائخة"، وكل المسؤولين وقادة الأحزاب والنخب اليمنية الذين ذكرت أن مهمتهم أصبحت محصورة في مزاولة وظيفة واحدة هي "عملاء للجنة الخاصة"، في إشارة إلى أن جميع الموالين للتحالف لا يمثلون اليمن ولا اليمنيين، الأمر الذي أصبح يدركه غالبية أبناء الشعب اليمني.