ماذا تخبئ صنعاء خلف ضبط النفس الذي تبديه مع التحركات الأخيرة للتحالف ؟

YNP /  إبراهيم القانص -

حتى هذه اللحظة، تتعامل سلطات صنعاء مع التحركات الأخيرة للتحالف في عدن بقدرٍ عالٍ من التأني والصبر، وربما تكون في وضعية الراصد لما قد ينتج عن صراع النفوذ القائم بين قطبي التحالف- السعودية والإمارات- الذي بلغ ذروته خلال الأيام الماضية بتوجيه أبو ظبي صفعة مؤلمة للرياض باستحواذها على نسبة أكبر في التمثيل السياسي لأداتها الأبرز المتمثلة في المجلس الانتقالي الجنوبي،

حيث نتج عن لقائه التشاوري تعيين اثنين من أعضاء المجلس الرئاسي نواباً لعيدروس الزبيدي رئيس الانتقالي، الذي يشغل في الوقت نفسه نائب رئيس مجلس القيادة، الأمر الذي أحدث خللاً في تركيبة الرئاسي السياسية.

تحركات الإمارات قد تضاعف احتمالات فشل التباحثات القائمة بين صنعاء والرياض، والتي يزداد مصيرها قتامةً وغموضاً، خصوصاً إذا ما تمكنت الإمارات من إغراق المملكة في محاولة استعادة نفوذها جنوباً، إضافةً إلى تأرجحها بين أن تتصرف وفق ما يتطلبه الحصول على ضمانات لتوفير الأمن لحدودها ومنشآتها، أو تنساق لإرضاء حليفها الأمريكي الرافض للتسوية مع صنعاء، والذي يقول مراقبون أن خطوات الإمارات في عدن ليست سوى لعبة تديرها وتحرك خيوطها واشنطن، لكن ورغم تلك الاحتمالات وتغيرات مواقف التحالف عبر أدواته المحلية، وتعامل صنعاء مع كل ذلك بمستوى مرتفع من ضبط النفس، إلا أنه لا يعني ارتباكها أو عجزها عن التصرف والردود الملائمة على ما يستجد من اعتمالات المشهد الراهن، بل تدرس التطورات وتستبطن المواقف وقد تكون جاهزيتها أكبر من أي وقت مضى للتعامل وفق ما يعزز ما وصلت إليه من القوة سياسياً وعسكرياً، وفق مراقبين.

المراقبون أشاروا إلى أن تصريحات مسئولي صنعاء إزاء المستجدات الأخيرة الناتجة عن تحركات التحالف عبر أدواته جنوب اليمن، تُقرأ من زوايا عدة، فهي مليئة بالثقة وتنم عن فهمهم العميق لما يجري، وقد تكون تداعياته في مصلحة صنعاء، خصوصاً أن استعداداتها مفتوحة على كل الاحتمالات. لافتين إلى أن اجتماع وزير دفاع صنعاء، الخميس، مع قيادات وضباط القوات البحرية والدفاع الساحلي، يحمل رسائل مهمة للتحالف وأتباعه، حيث تطرق اللواء الركن محمد العاطفي، إلى أن موقع اليمن في قلب العالم طالما كان السبب الرئيس وراء أطماع الغزاة.

وأوضح أن حملات الغزاة جاءت في كل المسارات التاريخية عبر مضيق باب المندب والسواحل اليمنية المترامية على امتداد البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن والتي تصل إلى مشارف المحيط الهندي، في إشارة إلى أن صنعاء تدرك جيداً مكامن صراع الدولتين الخليجيتين لبسط النفوذ على تلك المواقع الاستراتيجية، إذ تسعى كل منهما لتكون الأكثر نفوذاً حتى تقدم لحلفائها الدوليين ما يخدم مصالحهم وأطماعهم في اليمن بطرق أكثر سهولة وأقل تكلفة.

اللواء العاطفي نوّه بأن المخططات البريطانية القديمة التي يسعى التحالف لاستخدامها في المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية لم تعد ذات جدوى، بدليل فشله في السيطرة على محافظة الحديدة، موضحاً أن انسحابهم منها لم يكن تكتيكياً كما قالوا، بل تغطية على هزيمتهم، مشيراً إلى أن قيادة سلطات صنعاء وافقت على التفاوض مع دول التحالف فقط من أجل ما وصفه بـ "إقامة الحُجة"، مؤكداً أنهم سينتصرون سواء صدق التحالف أو استمر في مراوغته، محذراً الرياض وأبوظبي من أن المعركة المقبلة لن تكون في اليمن، بل ستنتقل إلى عمق الدولتين الخليجيتين.

وزير دفاع صنعاء، أكد أيضاً أن لدى قواته طرقاً أخرى تتلاءم مع ما وصفه بـ"غطرسة التحالف وتلكؤه"، وفي الوقت نفسه أكدت مداخلات قادة القوات البحرية والدفاع الساحلي ورؤساء الشعب المتخصصة الذين اجتمع بهم العاطفي، أن برامج تدريب وتأهيل المقاتلين تسير بوتيرة عالية في مختلف التخصصات العسكرية للقوات البحرية والدفاع الساحلي، وأن جهوزيتهم في أرقى مستوياتها لحماية المياه الإقليمية اليمنية، والتعامل مع أي تهديدات معادية.

في السياق، بدأ ناشطون ومسئولون تابعون لصنعاء بإبراز التعاون الإماراتي الإسرائيلي بالتزامن مع تحركات أبوظبي الأخيرة في عدن، ونشاطها المستمر في الجزر اليمنية وجلبها الخبراء العسكريين الإسرائيليين إلى سقطرى والمخا وغيرها من المواقع اليمنية الواقعة تحت سيطرتها، معيدين إلى واجهة المشهد ما نشرته وسائل إعلام الكيان الإسرائيليين بشأن تعاونه مع الإمارات بما فيها استعراض تلك الوسائل إرسال الكيان فرقاً عسكرية واستخباراتية إلى أبوظبي، وصفقات المنظومات الدفاعية التي باعها الكيان للإمارات، لكن الرسالة الأكثر دلالة من تسليط الضوء على تلك المواضيع هي الحديث عن قدرة صنعاء على ضرب أهداف في الكيانين الإماراتي والإسرائيلي، واستعراض الصواريخ الباليستية القادرة على بلوغ تلك الأهداف، الأمر الذي اعتبره مراقبون رسالة واضحة تفيد بأن صنعاء متابعة عن كثب كل ما يدور وتعرف جيداً ما يجب عليها فعله، وأن من مصلحة التحالف أن يكون اكثر شفافية ووضوحاً في تفاوضاته معها وإلا فعليه أن يتحمل النتائج من تداعيات الردود المحتملة، التي يقول المراقبون أنها باتت وشيكة.