اللحظة التي ينطق فيها مسئولو الشرعية بالحقيقة وقد فات أوانها

YNP /  إبراهيم القانص -

يلتزم مسئولو الشرعية أعلى درجات الإخلاص للتحالف مسخرين ألقابهم الوظيفية ومناصبهم بكل مستوياتها لتمرير وتسهيل وإنفاذ خططه ومشاريعه وهم يدركون تماماً أنها لا تخدم سوى مصالح دوله، ولا شأن لها بمصالح اليمن واليمنيين، ورغم معرفتهم المُطْلقة بأن البلاد وأهلها خارج تلك الحسابات لا يقصرون أبداً في إقناع الملايين بأن كل ما يفعله التحالف هو من أجل رخاء اليمن ورفاه اليمنيين. 

كل شيء أصبح ظاهراً ولا يحتاج إلى تفسيرات؛ من الصراعات الداخلية المتصاعدة التي يغذي التحالف كل أطرافها بالمال والسلاح، إلى السيطرة على موانئ ومنافذ وجزر وسواحل البلاد الاستراتيجية وصولاً  لنهب الثروات وتأزيم الأوضاع المعيشة للمواطنين، وانهيار الأمن والخدمات العامة؛ لكن مسئولي الشرعية لا يزالون يؤدون أدوارهم وفق التوجيهات، ويلتزمون حرفياً بما تم تلقينهم، وكما لو أنهم ملتزمون بورديات منتظمة يطلون على شاشات الفضائيات ويصرحون للمواقع الإخبارية ويكتبون في منصات التواصل الاجتماعي مستخدمين قدراتهم البيانية كاملة لإقناع المواطنين بأن كل ما يحدث من عبث وانهيار على المستويات كافة هو من أجل مستقبلهم ورخائهم، ولا يمكن أن يتجاوز أحد أولئك المسئولين مهمته ودوره التضليلي رغم وصول الأوضاع إلى مستويات كارثية، ومعرفة الغالبية بالأسباب والمتسببين، لكن الحكومة والمجلس الرئاسي لا يزالون يشكلون غطاء كثيفاً على التحالف ويتسابقون لإثبات الولاء له وتبرئته من كل ما يقترفه بفضل تعاونهم وتسهيلاتهم الكبيرة التي أباحت له بلاداً بأكملها، تحت غطاء صفة (الشرعية)، وبالتالي تعليق ما يحدث من دمار وانهيار وانتهاكات وفشل وفساد على شماعة (الحوثيين) و(إيران)، رغم أنه تم منعهم من استخدام عبارة اليد الإيرانية منذ اتفقت طهران والرياض على إعادة تطبيع العلاقات بينهما.

 

في حالة واحدة فقط يعترف مسئولو الشرعية بجرائم التحالف وتدميره مقدرات اليمن وبناه التحتية، ويقرون بخططه التوسعية وسلوكياته التي يسعى من خلالها إلى تمزيق البلاد وتقسيمها، بل ويثبتون أنهم كانوا يعرفون حقيقة التحالف منذ بدء تدخله العسكري وأنه استخدمهم لتحقيق أهدافه، تلك الحالة هي عندما يستغني التحالف عن أحدهم ويقيله من منصبه، أو يكون في منصب شكلي لا يجني من ورائه المكاسب التي كان يؤملها، وأولئك يبدأون بنشر الحقائق وينتقدون الممارسات والسلوكيات الظالمة للتحالف وأدواته، ولا يتركون موقعاً أو منصة إلا تحدثوا عبرها عن المآسي التي يعانيها المواطنون بسبب التحالف والدمار الذي لحق بالبلاد والسيادة المنتهكة، وغيرها من الحقائق التي تحفّظوا عليها وأبقوها طي الكتمان طيلة سنوات عملهم مع التحالف.

 

وزير النقل السابق في حكومة الشرعية، صالح الجبواني، واحد من الذين خرجوا عن صمتهم بعد فقدانهم الوظيفة مع التحالف، وكانت آخر اكتشافاته أن المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً سيحول المحافظات الجنوبية إلى دويلات متناحرة وسيقدم المناطق الاستراتيجية لأبوظبي على طبق من ذهب، في حال انفراط الوحدة، رغم أن الجبواني كان يعرف ذلك من اللحظة الأولى التي عمل فيها مع الحكومة الموالية للتحالف، وكان على يقين كغيره أن تقسيم اليمن أحد أهم المشاريع التي تسعى الرياض وأبوظبي لإنجازها.

 

الجبواني أوضح في تغريدة على تويتر، أن ما يحدث في المحافظات الجنوبية صراع مصيري، مشيراً إلى أن السماح لمن وصفهم بـ"العملاء" سيحوّل الجنوب إلى دويلات، مؤكداً أنها في الأخير ستُقَدَّم مكافأةً إلى "طويل العمر"، في إشارة إلى حكام السعودية والإمارات، مؤكداً أن من وصفهم بالمناطقيين مستعدون لبيع ثلاثة أرباع الجنوب من أجل أن يحكموا، ولا تهمهم الأرض بل السلطة، رغم أن حديثه لم يخلُ من النبرة المناطقية كونه تحدث عن الجنوب فقط، بينما يحدق الخطر بكل المناطق اليمنية في نطاق سيطرة التحالف والحكومة الموالية له.

في السياق نفسه، يصف مسئولون آخرون في الشرعية مقيمون في عواصم عربية ولم يعودوا أبداً إلى اليمن مجلس القيادة بالكيان غير الدستوري، مرجعين ذلك إلى أن المخابرات السعودية والإماراتية هي التي شكلته، وأنه يعد خطراً على البلاد ومستقبلها، كون الهدف من تشكيله هو تمزيق اليمن وتحويله إلى كانتونات، حسب تعبير عبدالعزيز جباري نائب رئيس برلمان الشرعية، معترفاً بأن هناك مسئولين يدركون ذلك لكنهم ساكتون والبعض منهم لا يزال يراهن على دور أخوي للسعودية، متوقعاً أن اليمنيين سيدفعون أثماناً باهظة نتيجة سكوتهم على ما يفعله التحالف، ورغم اتهامه السعودية والإمارات والرئاسي بالسعي لتقسيم اليمن إلا أنه واحد ممن أيدوا تدخل التحالف العسكري منذ البداية، ولا شك أنهم محقون فيما يتحدثون به ويعتبرونه كشفاً جديداً لهم فيه السبق، لكن ما يقولونه ليس كشفاً فهم يعرفونه منذ البداية، ولم ينطقوا بالحق إلا متأخرين جداً، والبعض منهم يزايدون به مزايدة أو يساومون من أجل أن يحظوا بفرصة أخرى مع التحالف، أما من كانت قناعاتهم راسخة فقد غادروا ذلك المعسكر بمجرد أن سنحت لهم الفرصة، وانضموا إلى صفوف من يناهض التحالف ومشاريعه علناً، بالقول والفعل.