الذكاء الاصطناعي ينظم مصادر "ويكيبيديا" ويعزز موثوقيتها

"ويكيبيديا"، المكان الذي يقصده الملايين حول العالم على الإنترنت بحثاً عن معلومات حول كل شيء تقريباً، ويتولى تحرير المقالات التي تنشرها الموسوعة الإلكترونية آلاف المحررين المتطوعين، في حين لا تلجأ الموسوعة نفسها إلى التحقق من صحة المقالات المنشورة عليها مكتفية بالإشارة إلى عدم جودة المصادر في بعض فقرات مقالاتها.

ولكن في الحقيقة يفيض بعضها بالأخطاء أو يحوي معلومات غير دقيقة أو يشير في الحواشي السفلية إلى روابط إلكترونية لمصادر تكون معطلة أحياناً أو غير موثوق بها تمدنا بمعلومات مضللة.

وبناء عليه فليست "ويكيبيديا"، بطبيعة الحال، مصدر معلومات يعول عليه من ناحية الصدقية، ولكن الذكاء الاصطناعي هنا في المتناول ليقدم لنا "الحل السحري" كما عودنا في الآونة الأخيرة. ولم لا؟ وبعيداً من اتهامه بأنه سيكون المسؤول عن إبادتنا يوماً ما فقد تحدثت ورقة بحثية منذ أيام فقط عن شكل من الذكاء الاصطناعي قادر على رصد الإصابة بالسكري من طريق تحليل صوت المريض المحتمل، وقبل ذلك ساعد العلماء في تطوير مضاد حيوي ربما يكتب نهاية أنواع فتاكة من البكتيريا، وفيما لا تنفك أنظمة الذكاء الاصطناعي تطل علينا بإنجازات مهمة في شتى الميادين، بدا بديهياً إنما على قدر كبير من الأهمية أن يلتفت الباحثون المنشغلون في هذه التكنولوجيا إلى الموسوعة الأكثر استخداماً في العالم، وقد طور هؤلاء نظاماً يعمل بالذكاء الاصطناعي منوط به مهمة تعزيز موثوقية المراجع التي تستند إليها "ويكيبيديا"، وذلك من طريق تدريب خوارزمية مصممة خصيصاً بهدف تحديد المراجع المشكوك فيها على الموقع.

مجلة "نيتشر" nature العلمية تحدثت في تقرير نشرته أخيراً عن الدراسة المنشورة في الـ 19 من أكتوبر الجاري في مجلة "نيتشر ماشين إنتلجينس 1" Nature Machine Intelligence1، مشيرة إلى أن شكلاً من الذكاء الاصطناعي يسعه أن يساعد في تنظيف قوائم المراجع غير الدقيقة أو غير الكاملة في مدخلات "ويكيبيديا"، فيحسّن بذلك جودة مقالاتها وموثوقيتها.

فابيو بتروني من شركة "سمايا أي آي" Samaya AI للذكاء الاصطناعي ومقرها لندن، اشتغل وزملاؤه على تطوير نظام ذكي أطلقوا عليه اسم "سايد" SIDE يعمل بواسطة شبكة عصبونية اصطناعية، فيحدد المراجع التي لا تدعم الادعاءات الواردة في نص ما ويبحث في شبكة الإنترنت عن مصادر أفضل.

وربما يصح القول إن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي للمساعدة في غربلة الموسوعة من الشوائب حل مثير للسخرية، لا سيما وأنه صار معروفاً عن روبوت الدردشة الشهير القائم على الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" ChatGPT إصابته بالهلوسة أحياناً، إذ تتولد منه إجابات غير صحيحة ومضللة، ذلك أنه يقدمها بدرجة عالية من الثقة إلى حد أنها تبدو مقنعة في ظاهرها، ولكن وفق نوا جيانسيراكوزا الذي يدرس الذكاء الاصطناعي في "جامعة بنتلي" في والثام ماساتشوستس، "تتضمن النماذج اللغوية الذكية ما هو أكثر بكثير من روبوتات الدردشة".

وشملت عملية تدريب "سايد" على التعرف إلى المراجع الجيدة باستخدام مقالات مختارة موجودة على "ويكيبيديا"، التي حظيت بالترويج على الموقع، باهتمام كبير من المحررين والمشرفين، وهكذا أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على تحديد الادعاءات في الصفحات التي تحوي مراجع رديئة الجودة من طريق نظام الموثوقية الخاص به، وكذلك في مقدوره تفحص الإنترنت بحثاً عن مصادر معروفة وموثوقة وخيارات أخرى لاستبدال المراجع السيئة بها.

وفي عملية اختبار جودة النظام استخدم بتروني وزملاؤه "سايد" كي يقترح مراجع لمقالات على "ويكيبيديا" لم يطلع عليها سابقاً، ووجد الباحثون أنه قدم في نحو 50 في المئة من الحالات مصدراً تستخدمه "ويكيبيديا" في هذه المقالة أو تلك بصفته مرجعاً، وفي الحالات الأخرى وجد الذكاء الاصطناعي مراجع بديلة.

وعند عرض النتائج التي خلص إليها "سايد" على مجموعة من مستخدمي "ويكيبيديا" فقد فضل 21 في المئة منهم المراجع التي عثر عليها الذكاء الاصطناعي، و10 في المئة منهم المراجع الموجودة أصلاً، و39 في المئة منهم لم يعطوا الأفضلية لأي منهما.

وتنقل "نيتشر" عن عالمة الاتصالات الحاسوبية في "جامعة زيورخ" بسويسرا ألكساندرا أورمان قولها إن هذه الأداة يسعها أن توفر الوقت للمحررين والمشرفين الذين يتحققون من دقة مقالات "ويكيبيديا"، ولكن فقط في حال طرحه بصورة صحيحة، وتضيف أن "النظام ربما يكون مفيداً في تحديد المراجع غير المناسبة".

ولكن في المقابل تشير أورمان إلى أنه في اختبار نظام "سايد"، كما ذكرنا سابقاً، بلغ عدد مستخدمي "ويكيبيديا" الذين مالوا إلى عدم تفضيل أي من المراجع ضعف عدد المشاركين الذين فضلوا المراجع التي يقترحها الذكاء الاصطناعي، وتقول "ذلك مفاده أنهم في هذه الحالات سيستمرون في البحث عن المرجع المناسب عبر الإنترنت".

كذلك معلوم أن أي برنامج ذكي، خصوصاً الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد على التدريب، يبقى عرضة لالتقاط عدوى تحيزات مبرمجيه أنفسهم، ولكن مع ذلك على "ويكيبيديا" وشركات التواصل الاجتماعي على حد سواء التصدي للاعبين الأشرار في هذا المجال، ولروبوتات الدردشة التي تغمر ساحات المدن الرقمية بمعلومات كاذبة، واليوم وأكثر من أي وقت مضى تبدو هذه الجهود ملحة وضرورية.