عن قمة الكبار بجنيف ؟

 YNP – قيس الوازعي  :

الجلسة الافتتاحية للقمة الأمريكية ـ الروسية في جنيف، كانت كافية لتكشف لنا الأجواء السائدة في المكان والحالات النفسية للزعيمين بايدن وبوتين، حتى أننا توقعنا، على وجه التقريب، مالذي سيدور في الجلستين التاليتين، حينما يشارك الوفدان بكامل عناصرهما، بل أننا كدنا نتوقع النتيجة النهائية للقمة.

بدت الأجواء في هذه الجلسة، التي اقتصر حضورها على الرئيسين ووزيري خارجيتيهما، مشوبة بالحذر والترقب من كلا الطرفين. وذلك أمر طبيعي بعد التطورات السلبية ، التي شابت العلاقات الثنائية إثر تصريحات بايدن الانفعالية، المتهورة، التي وصف فيها الرئيس الروسي بوتين بالقاتل، في تصرف تجاوز حدود اللياقة والأعراف الدبلوماسية بين القادة، كما قيل !

 كان قد أعقب تصريحات بايدن المثيرة للجدل تصريحات مضادة، حادة، كشفت، بوضوح الحالة النفسية الساخطة للرئيس بوتين، رغم محاولاته الفاشلة الظهور بمظهر الزعيم المتعقل، المتحكم بأعصابه. تلا هذه الحالات المتوترة تراشقات لفظية وشتائم مبطنة، بالغ فيها بوتين كثيرًا، ثم انتهى الحال بالطرفين إلى تهديدات، كادت تصل مرحلة التحدي، حينما قال الرئيس الأمريكي: إن بوتين سيدفع ثمن مغامراته أو أخطائه. في إشارة إلى الاتهامات الأمريكية له بالتدخل في الانتخابات الأمريكية قبل الأخيرة، بالوقوف وراء الهجمات السيبرانية التي طالت عددًا من المؤسسات الأمريكية، فضلًا عن تحريض الروس لحركة طالبان لقتل الجنود الأمريكيين في أفغانستان ومنح رجالها المكافآت المجزية على ذلك، وغيرها من التصرفات الاستفزازية على حدود الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفييتي، وممارسات بوتين العدوانية تجاه معارضيه السياسيين، الذين كان آخرهم نافالني الذي تعرض لمحاولة القتل بالسم. ولايزال سجينًا بسبب اتهامات ملفقة.

 في الجلسة بدت حركات رجلي بوتين غير عادية، مقارنة برحلي بايدن، الموضوعتين فوق بعضهما بثبات وثقة، من دون أن يظهر عليهما أو على يديه وجسمه أي حركة أو اهتزاز، ملفت!

في المقابل ظلت قدما بوتين تتحركان بشكل سريع على الأرض، من دون توقف. عكستا حالة القلق النفسي والضغط والتوتر العصبي!

 أخذتنا الحيرة ونحن نحاول تفسير ماوراء توترات بوتين تلك! فلم ندرِ هل كانت نفسية بوتين القلقة تتأهب لردات فعل لفظية تدفع عنه اتهامات بايدن أم أنه كان يستعد لتوجيه اتهامات معاكسة لبايدن تبرر أفعاله المعادية للأمريكيين.

بالتأكيد ليس لدى بوتين ما يتهم به الأمريكيين ، الذين بدوا أكثر عقلانية وقد تجاوزوا، تمامًا، ممارسات الحرب الباردة. فلم يجد بوتين مايقوله سوى الطعن الغبي بالديمقراطية الأمريكية وببعض الهفوات النادرة في ما يخص حقوق الإنسان؛ كمقتل المواطن من أصول أفريقية على يد رجل الشرطة أو ما رافق الانتخابات الرئاسية الأخيرة من إشكالات واضطرابات.

عن هذه الاتهامات قال بايدن بعد انتهاء أعمال القمة إن انتقادات الرئيس بوتين لحقوق الإنسان في أمريكا هو أمر سخيف.

  فهل عكست الحالة النفسية المطمئنَّة للرئيس بايدن، خلال تلك الجلسة القصيرة، التي لم تتحاوز بضع دقائق، ثقة في النفس وثقة ببراءة الأمريكيين من أية أعمال معادية ضد روسيا أم عبرت عن ثقة بعظمة ومقدرة الدولة الأمريكية الأعظم، المتفوقة في مختلف المجالات ؟

ربما كانت كل تلك الأسباب مجتمعة، وربما حالة مترفعة من تسامح الكبار، عندما يستشعرون مسؤولياتهم وهم يحملون على عاتقهم هموم أمن العالم وسلامه واستقراره!

 كل الاحتمالات واردة، لكن أغلب الظن أن بايدن قد تلقى بعض نصائح من مستشاريه ومن القادة الأوروبيين بضرورة مراعاة الحالة النفسية الروسية الشاعرة بالهزيمة بعد انهيار الاتحاد السوفييي وزوال قطبهم الشرقي وحلفهم العسكري (حلف وارسو).

  ربما قرر بايدن سلفًا، تجاوز أخطاء بوتين، التي سبق أن وعد بمعاقبته عليها، فاستبدلها بأجندات أخرى تليق بالكبار. بحيث ترتقي قمة جنيف إلى مستوى المسؤولية التأريخية تجاه العالم بأسره وعدم اقتصارها على الاختلافات والحساسيات المعتادة بين الدولتين العظميين.

 قال بايدن، قبل انعقاد القمة إنه سيطلع بوتين على الخطوط الحمراء للسياسة الأمريكية. بمعنى أن بايدن قرر أن يركز على المستقبل،  وليس على الماضي.

الكبار من القادة وحدهم هم القادرون على تجاوز هفوات الصغار، وطمأنتهم، لكي يجزلوا احترامهم للكبارويمنحوهم ثقتهم، وتسليمهم زمام القيادة في إدارة الحوار.

 كانت هموم بايدن أكبر وتطلعاته أخطر من الخلافات مع بوتين، ويريد من القمة أن تقف عندها وتحسم أمرها. وذلك ما فهمه بوتين.

الصين وتطلعاتها النووية وتعاظمها الاقتصادي وسباقها التكنلوجي ومغامراتها البحثية المتهورة، التي كانت جائحة كوفيد 19 العالمية إحدى عواقبها. كوريا الشمالية الدولة النووية التي لايؤمن شرها. وإيران الساعية إلى الحصول على السلاح النووي والتقدم في مجال الصواريخ البالستية، التي تلعب روسيا فيها دورًا خطيرًا قد ينعكس عليها شره.. وقضايا أخرى على قدر من الأهمية. 

 وكان على بايدن التقرب من بوتين وطمأنته وإغرائه بتغيير سياساته الداخلية والخارجية.

فالديمقراطية المنتقصة التي أبقت بوتين ومن معه على قيادة روسيا منذ 1999يجب أن تتغير. وانتهاكات حقوق الإنسان في روسيا يجب أن تتبدل.

  شخصيَّا لا نعتقد أن لدى بوتين آذانًا مصغية لما قاله بايدن. فالعداء المستحكم يضع حواجز سميكة من سوء الظن، تحول دون الاستماع لنصائح من تعاديه، مهما كان صادقًا أو مخلصًا في نصحه ومهما كانت نصائحه صائبة.

 فما بالنا ببوتين ضابط الاستخبارات الذي تربى على سوء الظن بالآخر، على طول الخط؟! إنه مابرح يتهم الغرب بأنه وراء انهيار الاتحاد السوفييتي وتمزيق وحدته وتبديد قوته. فهو لايؤمن، مطقًا، بفشل النظرية الاقتصادية الاشتراكية، بل لازال يأمل في تمكنه من استعادتها وتطبيقها من جديد !!

  • الاثنين 21 يونيو 2021 م .