فيصل بن فرحان في باكستان .. لماذا الآن ؟

YNP - قيس الوازعي :
دعونا نتريَّث قليلًا، فلانتعجَّل الكتابة عمَّا حدث ويحدث في جمهورية تونس، حتى ينجلي الغبار وتتضح الصورة. التساؤلات كثيرة ومثيرة، أهمها : هل للمعتوه محمد بن زايد علاقة بالموضوع أم لا؟

ولكن دعونا نخوض في موضوع إرسال محمد بن سلمان لوزير خارجيته إلى باكستان يوم الثلاثاء الماضي، علَّنا نتعرف على السبب والغاية. فكلا المحمدين لهما شطحات سياسية مفاجئة تثير الاهتمام وتبعث على الاستغراب، وإن اختلفا وتفرَّقت بهما السُّبُل!

فلماذا يرسل ولي العهد السعودي، الآن، واليوم، وزير خارجيته الأمير فيصل بن فرحان لزيارة باكستان، التي كانت علاقتها ببلاده قد تعرَّضت لهزة عنيفة بسبب رفضها المشاركة في تحالف عاصفة الحزم، وقيل بسبب التقارب السعودي ـ الهندي، ثم أعقب الهزة فتور واضح، طيلة السنوات الست الماضية، فكان من عواقبها أن ضيقت السعودية على حليفتها الأزلية باكستان لإعادة مالديها من وديعة في بنوكها تقدَّر بمليارات الريالات، ما اضطرها للاقتراض من الصين وتسديد بعض ما للسعودية.

تُرى هل تراجع الباكستانيون ـ اليوم ـ عن موقفهم الرافض فقرروا مراضاة السعودية بإرسال قوات عسكرية لتأمين حدها الجنوبي،

الذي بات مصدر قلق دائم يؤرقها أم أن للسعودية مطامع باستعادة علاقاتها القديمة مع باكستان، بعد أن بات من شبه المؤكد عودة حركة طالبان، الموالية لباكستان، لحكم أفغانستان، من جديد أم أن السببين، معًا، يقفان خلف هذه الزيارة، غير المتوقعة لإسلام آباد؟ 

لقد اعتمدت السعودية، مطولَا، على القوات الباكستانية في حماية أراضيها الشاسعة، وأقام الجيشان السعودي والباكستاني العديد من المناورات والتدريبات المشتركة، وأخذ التعاون العسكري بينهما أبعادًا عديدة، حتى بلغ حد تمويل السعودية للبرنامج النووي الباكستاني، وامتلاكها القنبلة النووية.  

منذ أيام قليلة أمهلت الحكومة السعودية مواطنيها في المحافظات الجنوبية مدة أربعة أشهر لاستبدال عمالتهم من اليمنيين بعمالة أخرى من أي جنسية !؟

وساوس سعودية أوهمتها، وربما مسوغ تبريري، مفادها أن الضربات العسكرية الدقيقة، التي نفذها أنصار الله بالأهداف في العمق السعودي سببها تعاون استخباري من الداخل قام به المغتربون اليمنيون مع حكومة صنعاء!؟

موقف مخزٍ يثير الضحك والسخرية. فالمغترب اليمني مهموم بنفسه وببعده عن أسرته ومنشغل بلقمة عيشه، ويحرص كل الحرص على ألا يتعرض لمساءلة أمنية تشغله عن الهدف المعاشي، الذي جاء من أجله وتكبد في سبيله معاناة لاتحصى!

ثم إن المغترب اليمني يعي ويدرك جيدًا أن تحركاته في السعودية خاضعة للرقابة الأمنية، منذ اجتيازه الحدود، حتى يعود.. فكيف له أن يغامر فيترك مقر عمله ويذهب إلى المعسكرات والقواعد العسكرية لرصد الأهداف وتحديد إحداثياتها وإرسالها من هاتفه المراقب؟! هذا إذا افترضنا أن لديه المعرفة الكافية لفعل ذلك!

تزمع السعودية ترحيل قرابة 800 ألف مغترب يمني من مناطق الجنوب ( عسير، نجران، جيزان، والباحة)، بينهم أساتذة جامعيون !؟

إن هناك مخاوف سعودية كبيرة قادمة من جهة الجنوب، وتحتاج لتعزيز جيشها هناك بواحدات عسكرية باكستانية، سبق لها التعسكر في تلك المناطق الحدودية مع اليمن.  

يؤخذ على النظام السعودي وحتى على بقية الأنظمة العربية المرتجلة، ميلها إلى تجاهل الأسباب الحقيقية لمشكلاتها، والاستعاضة عنها بذرائع غير حقيقية وغير منطقية، أقل ما يقال عنها أنها سخيفة!

أمَّا لو أنهم حكموا عقولهم وأنصفوا لبحثوا عن أسباب الفشل الحقيقية ودرسوها، بشفافية وقاموا بمعالجتها والتخلص منها، بدلًا من لجوئهم إلى التهرب من المسؤولية بادعاء وجود أسباب أخرى يلقون تبعاتها على غيرهم أو على مخالفيهم!

يقال إن أحد أسباب رفض الحكومة والبرلمان الباكستانيين مشاركة قوات بلادهم في تحالف عاصفة الحزم اشتراط السعودية عليهم أن يكون الضباط الباكستانيين من أتباع المذهب السني، وليسوا من الشيعة!؟

هذا الشرط الهايف رأى فيه الباكستانيون خطرًا يهدد وحدتهم الوطنية ويمزق الصف القتالي لجيشهم، الذي يضم مانسبته 25% من الشيعة.


العلاقات السعودية الباكستانية، التي تعود جذورها إلى ستينيات القرن الماضي، وتم استغلالها مصلحيًّا، نفعيًّا من قبل الطرفين،كل بحسب احتياجه، خاصة في مجال الاستعانة بالقوات المسلحة في مقابل المعونات المالية واستيعاب أربعة ملايين مغترب باكستاني.. تعرضت، في الواقع للفتور الشديد منذ ما بعد الحدث الإرهابي في 11سبتمبر 2001 م .
فتنظيم القاعدة كان يقوده السعودي أسامة بن لادن، الذي اتخذ من الأراضي الباكستانية مقرًّا لقيادته وممرًّا لقواته. وعلى الأرض الباكستانية تم التخطيط والتدريب لعناصره الذين هاجموا الولايات المتحدة وكان من بين المنفذين التسعة عشر خمسة عشر عنصرًا سعوديًّا.

من هنا كانت النقمة الأمريكية الكبرى على السعودية وتليها مباشرة باكستان. الأمر الذي أدخل السعودية وباكستان في دوامة من الاتهامات المتبادلة، تهربًا من المسؤولية!


أمًّا إذا اعتبرنا زيارة وزير الخارجية السعودي لباكستان ذات صلة بالتطورات الأخيرة في أفغانستان فإن السبب يبدو معقولًا، يستوجب التقرب من باكستان وطالبان لمنع تقرُّب هذه الأخيرة من إيران.


- الخميس 29 يوليو 2021 م .