بصمة إسرائيلية في قصف صنعاء

YNP - إبراهيم القانص :
الكيانات الخليجية التي لم تكن ما هي عليه اليوم من تُخمة الثراء لولا الطفرة النفطية، والإسناد السياسي الغربي الذي جعل لها ثقل في الشرق الأوسط، وكان ذلك الإسناد ضرورياً كونها في الأساس عبارة عن بذرة استخباراتية ظلت تتعهدها الدول الاستعمارية الكبرى، لتكون عينها ويدها في المنطقة العربية،

على اعتبار أن تلك الدول لم تتخلَ يوماً عن أطماعها في المنطقة الغنية بالثروات والمتحكمة في أهم الممرات البحرية، ولم يكن تحرر واستقلال الدول العربية من الاحتلال العسكري البريطاني والإيطالي والفرنسي نهاية المطاف أبدأً، بل كان بداية لاحتلال جديد للقوى العالمية الطامعة نفسها، ولكن بصور وأشكال ناعمة ثقافية وفكرية واقتصادية وسياسية، من خلال اتفاقيات ومعاهدات وتحالفات، وفق خطط دقيقة ومحكمة، إلى درجة أن الكثير من الدول العربية لا تملك قرارها ولا تستطيع الفكاك من هيمنة تلك الدول الاستعمارية وتدخلها في كل شئونها، بل والاستحواذ على نسبٍ كبيرة من ثرواتها السيادية.

بمجرد تفكير أي نظام عربي في التخلص من تلك الهيمنة والتبعية تكون بلاده هدفاً للفوضى والحصار الاقتصادي، ليظل تابعاً لتلك القوى، وأحكمت القوى الاستعمارية قبضتها على الدول العربية أكثر من أي وقت مضى من خلال كيانات خليجية بدأت فعلاً تأدية المهمة التي وجدت من أجلها، وخصوصاً السعودية والإمارات، اللتين امتدت أياديهما إلى كل دولة عربية تحت شعارات عدة، أبرزها الأعمال الإنسانية والمساعدات بكل أشكالها، وهي فقط إجراءات فرضتها ضرورة بقاء مصالح القوى الاستعمارية، وقد تكشفت خلال السنوات الماضية حقائق ناصعة عن أدوار الرياض وأبوظبي في بؤس ودمار الكثير من الدول العربية، وأهمها العراق وسوريا واليمن ولبنان، وفق ما تقتضيه سياسة ومصالح وأجندات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأخيراً الكيان الإسرائيلي الذي ظهر بقوة في اليمن خلال السنوات السبع التي مضت منذ بدء الحرب على اليمن، ويوماً بعد يوم يتضح أكثر وأكثر أنه يشارك بشكل مباشر في هذه الحرب، وبفضل السعودية والإمارات أصبح له وجود عسكري فعلي في مناطق ومواقع يمنية استراتيجية، جنباً إلى جنب مع قوات التحالف، لكن المسألة في اليمن على وجه الخصوص لم تكن بالسهولة التي كانت تظنها تلك القوى ولا أدواتها الخليجية.

الحرب التي تقودها السعودية وحليفتها الإمارات على اليمن، كانت أكثر الشواهد الدامغة التي فضحت تبعية الدولتين الخليجيتين المطلقة لواشنطن وتل أبيب، ولم تكن اتفاقيات التطبيع العلني والسري مع إسرائيل إلا تحصيل حاصل بعد ما كشفت الحرب على اليمن أن الإماراتيين والسعوديين لم يكونوا أبداً وحدهم في هذه الحرب، كما زعموا في بدايتها، وكما زعموا أيضاً أنها من أجل اليمن واليمنيين بل طفت على سطح الحرب كل الادعاءات المضللة؛ فالأمريكيون والإسرائيليون مصطفون جنباً إلى جنب السعودية والإمارات، وقد أدرك اليمنيون ذلك جيداً وبدأت صنعاء فعلاً ردودها المناسبة، ولا تزال تعد بالمفاجآت الصادمة التي لا يتوقعها أيٌّ من حلفاء الحرب.
 
تضع صنعاء حسابات دقيقة لكل التحولات السياسية والعسكرية، فأبواب الاحتمالات مشرعة أمام أي تحول ممكن، والتحولات الأخيرة كانت دليلاً واضحاً على أن خطواتها واثقة ومدروسة وحكيمة، تتجلى بوضوح في التكتيكات العسكرية التي غيرت من المعادلات الميدانية، ولم تكن الجرائم الأخيرة التي أعقبت رسائل صنعاء الباليستية والمسيّرة إلى الإمارات والسعودية خلال الأيام الماضية، إلا وسيلة اتخذتها الولايات المتحدة عبر الجنديين الوفيين لها لترك أثر نفسي ربما يُخضِع صنعاء لتركه يستكمل تسويق وإنفاذ أجنداته التي أصبحت في أقصى درجات الانكشاف، خصوصاً بعد وصولها إلى المسافة القصوى من التعويض عن الفشل في حماية أداتيها الخليجيتين من ردود صنعاء الموجعة، وتتمثل تلك المسافة في استئناف قصف الأحياء السكنية في العاصمة صنعاء وقتل المدنيين، لكن ذلك- كما يقول مراقبون- سيكون عبئاً إضافياً على الولايات المتحدة وأدواتها الخليجية، فالرأي العام العربي والعالمي أصبح في صورة مشاهد أشلاء الأطفال والنساء تحت أنقاض منازلهم التي أسقطتها قنابل وصواريخ طائرات التحالف على رؤوسهم، خصوصاً أن المجتمع الدولي رغم انحيازه للتحالف لم يستطع تجاهل تلك المشاهد، حيث أدانها بشدة، ونزل موظفوه الأمميون إلى بعض مواقعها.

وبإيعاز ورغبة أمريكية، رفع التحالف بقيادة السعودية والإمارات وتيرة تهديداته باستهداف أعيان مدنية داخل العاصمة، بمبرر أنها منصات إطلاق للطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، وحسب المراقبين فإن ذلك نتيجة حتمية فرضها الذعر الذي انتشر في أوساط الكيان الإسرائيلي، بعد إبداء قوات صنعاء عزمها على استهداف الكيان بشكل مباشر إذا ما استمرت مشاركته في العمليات العسكرية الإماراتية في اليمن، وقد ظهر ذلك الرعب في قول الإسرائيليين إن من يستهدف أبوظبي يستطيع استهداف إيلات.