حرب اليمن تلقي بظلال قاتمة على أمن الخليج ونفوذ الولايات المتحدة

YNP - إبراهيم القانص :
الحرب ليست نزهة، وفي اليمن تحديداً تجلت هذه المقولة بوضوح لكل الأطراف التي تشن الحرب وتمولها وتشارك فيها، بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية، المكان الذي أعلنت منه الحرب واتُخذ قرار شنها على اليمن، ومروراً بالدول التي استخدمتها واشنطن أدوات للتنفيذ تحت مسمى "التحالف العربي"، وأبرزها السعودية والإمارات اللتان تقودان الحرب ظاهرياً، ولم يكن بيدهما قرار إشعالها ولن يكون بيدهماً أيضاً قرار وقفها.

عملياً، بدأت كل الدول التي تشن الحرب على اليمن تلمس في واقعها تداعيات الحرب، وتكتشف أنها ارتكبت خطأ فادحاً وقت اتخذت القرار، وعلى أساس إمكانات اليمن المتواضعة حينها، والغرور بما تملكه تلك الدول من ترسانات عسكرية كبيرة؛ ربما ظنتها نزهة استناداً لتلك الحسابات الخاطئة من وجهات نظر محلية تابعة للتحالف، زيفت لها الواقع في اليمن الناتج عن سنوات من الصراعات، فالسعودية والإمارات أصبحتا في وضع غير آمن بعد ما وصلت الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية اليمنية إلى عمقهما الجغرافي مستهدفةً وبدقةٍ عالية منشآت حيوية ومواقع استراتيجية لم تتخيل سلطات الدولتين أنها ستكون يوماً في مرمى قوات صنعاء، التي غيّرت المعادلات على الأرض بما أبدته من مهارات قتالية، وتصنيع عسكري استدعته غطرسة دول التحالف واستخفافها بما يمكن أن توجده الحاجة الملحة للدفاع ليتطور إلى الهجوم، وخصوصاً أن اليمنيين- والكل يعرف ذلك- أولوا قوةٍ وبأس شديد، كما نص على ذلك القرآن الكريم، وكما وصفهم أيضاً النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه بأنهم أهل الإيمان والحكمة، "الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية"، وإن كان عنصر الأمان الذي طالما ظلت تنعم به الدولتان الخليجيتان قد بات أهم خسائرهما في هذه الحرب؛ فهما أيضاً قد تلطختا بدماء الأطفال والنساء الذين كانوا ولا يزالون الهدف الأول لطائرات التحالف، وهو الملف الذي لا بد أن يُفتح وتحاسب عليه الرياض وأبوظبي حساباً لن يُغفل صغيرة ولا كبيرة من ملامح البؤس الذي جعلتاه واقعاً يحاصر حياة اليمنيين بكل أنواع وصنوف الرزايا، وخصوصاً أن اليمنيين لا ينسون ثأرهم طال الزمن أو قَصُر.

على الصعيد نفسه، تدرك الولايات المتحدة الأمريكية الآن أنها وضعت نفسها في مأزق كبير بإيعازها إلى أدواتها الأبرز في الشرق الأوسط- السعودية والإمارات- بشن الحرب على اليمن، واستمرار دعمها بالخطط والأسلحة لاستمرار الحرب، ويتمثل مأزقها في وضعها الداخلي المضطرب، والصراع المرير الذي تخوضه في سبيل الحفاظ على مكانتها عالمياً، حيث ألقت الحرب التي تديرها واشنطن على اليمن بظلال قاتمة عرّت الكثير من شعارات الولايات المتحدة الزائفة، التي تكرس مزاعم رعايتها للسلام في العالم، وخصوصاً بعد ما اتخذ الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن أول قراراته بوقف دعم بلاده للسعودية والإمارات في حربهما على اليمن، في بداية شهر فبراير من العام الماضي 2021، ولكي يقنع الجميع بعزمه على تنفيذ القرار عيَّن مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، حتى ظن الجميع أنه عازم على إنهاء الحرب، بينما استمر دعمه للعمليات العسكرية واستمرت صفقات السلاح للإمارات والسعودية، ليزيد بذلك معدلات كارثية الحرب على اليمنيين بكل مستوياتها، الأمر الذي ينتج عنه بشكل واضح تراجع مكانة الولايات المتحدة وتأثيرها، خصوصاً في المنطقة العربية، حسب مراقبين.

أما بالنسبة لليمنيين، وتحديداً في مناطق سيطرة الحوثيين، وبعيداً عن مآسي الحرب التي يدفع ثمنها المدنيون، كونهم الهدف الأول لغارات التحالف، أثبتت قوات صنعاء قدرة قتالية عالية، وتقدماً نوعياً في التصنيع العسكري، ظهرت جدوى فاعليته حين وجدت أبوظبي نفسها وجهاً لوجه مع أسراب من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة اليمنية، حين صمّ آذانها دوي الانفجارات وشوشت رؤيتها سحب الدخان التي تصاعدت في السابع عشر من شهر يناير الماضي، من أهم مطاراتها، والذي كان الهدف الأول لقوات صنعاء، أما الهجمة الثانية التي تزامن مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للإمارات فكانت دلالاتها قوية ورسائلها واضحة، مفادها أن الوضع لم يعد مثلما كان خلال السنوات الماضية من الحرب، فكل المتحالفين مع السعودية سيكونون في مرمى الردود اليمنية، وكانت إشارة واضحة إلى أن إسرائيل هي أحد الفاعلين الرئيسيين في الحرب، خصوصاً بعد وصول ضباطها وخبرائها إلى جزيرة سقطرى اليمنية، بتنسيق إماراتي سهَّل لهم كل شيء إلى درجة بدئهم في إنشاء مواقع استخباراتي مشتركة ومدارج للطائرات الحربية في عدد من جزر أرخبيل سقطرى.