انعكاسات فشل التحالف في اليمن على العلاقات بين أبوظبي والرياض

YNP _ حلمي الكمالي

لا يعد الخلاف الإماراتي السعودي، الذي ظهر مؤخرا إلى السطح، عابرا ، وإنما هو ارتداد طبيعي لمجمل التحولات السياسية والعسكرية في المنطقة، وعلى رأسها اليمن ، إذ لا يمكن فصل هذه الخلافات عن المستجدات الطارئة في المشهد اليمني.

بدرجة كبيرة، شكلت إخفاقات التحالف في اليمن، جوهر المتغيرات التي طرأت على دول التحالف الذي بدأ عملياته العسكرية بنحو 17 دولة ، ولم يعد منها اليوم سوى دولتين فقط، بجانب السعودية.

ارتدت أولى إخفاقات التحالف على قطر، مفجرة خلافا سعوديا قطريا شرسا، والذي دفع الأخيرة إلى إعلان انسحابها من التحالف منتصف العام 2017م ، كان ذلك بسبب عجز قوات حزب الإصلاح ( فرع تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن )، التي تدعمها دولة قطر، عن حسم المعركة في اليمن، لصالح التحالف.

وكان الإصلاح قد أبلغ التحالف قبيل إندلاع الحرب عن امتلاكه أكثر من 60 ألف مقاتل داخل العاصمة صنعاء، ووعد بالسيطرة عليها خلال شهر من إنطلاق العمليات العسكرية للتحالف في 26 مارس 2015م.

لا تريد دول التحالف تحمل تكلفة الخسارة المتوقعة لحرب التحالف السعودي في اليمن، لذا ينفر الجميع من هذا التحالف ، البعض يعلن عن انسحابه، والبعض الآخر ينفي صلته به.

وشكل قرار أبو ظبي بانسحابها من التحالف في مطلع يوليو العام 2019م ، أحد أبرز أسباب الخلاف مع الرياض ، التي تفاجئت بالقرار الإماراتي، ورغم أن الإنسحاب الإماراتي كان صوريا، إلا أنه تسبب في اتساع رقعة الخلافات مع السعودية، التي رأت أنه بمثابة هروب من تداعيات الحرب الخاسرة في اليمن.

علاوة على ذلك ، فإن عدم استهداف قوات صنعاء العمق الإماراتي بالصواريخ والمسيرات بالمقابل استهداف جميع المواقع الحيوية في العمق السعودي ؛ أقلق الشقيقة الكبرى وأثار شكوكها بإحتمالية وجود تفاهمات سرية بين صنعاء وأبو ظبي ؛ ما عزز نضوج هذه الخلافات بينها.

بعد سبعة أعوام ، تجد الرياض نفسها تدفع فاتورة الحرب عوضا عن الشريك الأساس في التحالف ، ويبدو أن نسبة كبيرة مما تقوله صحيحا.

فبجانب الخسائر المادية الكبيرة التي قدمتها السعودية في هذه الحرب، فإنها تتعرض لضربات جوية متواصلة تتهدد عصب اقتصادها القومي ، كما تتعرض لهجمات برية على حدها الجنوبي ، والذي تتوغل فيه قوات صنعاء وتسيطر على مناطق شاسعة داخل العمق السعودي. في المقابل تسيطر الإمارات والمجاميع العسكرية الموالية لها، على معظم المناطق الحيوية في اليمن، أبرزها قوات المجلس الإنتقالي المسيطرة على جزيرة سقطرى ومواقع هامة في الجنوب اليمني، وكذا قوات طارق صالح المسيطرة على سواحل المخأ وجزء كبير من الحديدة ، وجزيرة ميون الإستراتيجية.

وهذا ما يبرر التوجه السعودي بتضييق الخناق على المجلس الانتقالي الموالي للإمارات ، ودعم قوات هادي لاجتثاثه من المشهد، في الآونة الأخيرة ، خاصة مع اقتراب سقوط مأرب بيد قوات صنعاء، والتي تعد آخر المناطق الإستراتيجية في يد القوات الموالية للسعودية في اليمن.

من ناحية أخرى، صدمت الإمارات من عدم إعلان السعودية التطبيع مع إسرائيل، حيث كان من المقرر أن تعلن أبو ظبي والرياض معا، إتفاقية التطبيع، لكن الأخيرة تراجعت لضغوط سياسية من دول إسلامية كبرى، والتي هددت بسحب مركزيتها كقوة مهيمنة في العالم الإسلامي.

بشكل أو بآخر، فإن الخلافات البينية الواضحة بين حلفاء واشنطن ناتجة بصورة رئيسية عن تراجع الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وخسارتها الرهان في معظم الملفات الساخنة بدءا من سوريا والعراق مرورا باليمن.

المتوقع مما سبق ، هو نشوب المزيد من الخلافات داخل حلبة الوكلاء الأمريكيين في المنطقة ، في المقابل نشوء تحالفات جديدة ، والذي بدأ بالبزوغ منذ إعادة العلاقات الثلاثية بين تركيا وقطر ومصر، وقيام أنقرة بالتخلص من جميع المنابر الإعلامية الإخوانية التي كانت تهاجم النظام المصري.

بين هذا وذاك، يمكن القول أن صمود قوات صنعاء خلال ستة أعوام ، وتطور قدراتها الصاروخية، وكذا التقدم العسكري الذي تحققه اليوم في معظم الجبهات ، لن يتوقف عند الخلافات الإماراتية السعودية ، والقطرية ، بل سيعصف بالتوازنات الإقليمية والدولية في المنطقة برمتها.